الرأيسلايدر

تحليل: ليست معركة دينية وإنما انتخابات تشريعية في دولة وطنية حديثة

منتصر حمادة

هذه انتخابات تشريعية وجماعية في دولة وطنية حديثة، وليست معركة دينية.
هذا هو الانطباع الذي على الأرجح سيتوصل إليه بعض المتتبعين وهم يطلعون على خطاب بعض الفعاليات الإسلامية في الساحة، سواء في أرض الميدان مع الحملة الانتخابية أو في العالم الرقمي، والخاص بانتخابات 8 سبتمبر الجاري.
حديث البعض عن “يوم الزحف” [كذا]، أو العودة إلى أدبيات “السياسة الشرعية” لابن تيمية وغيره، في معرض التفاعل مع هذا الاستحقاق الانتخابي، يصب في هذا الاتجاه. بل يهم حسب بعض مضامين الشعارات التي تروجها قوافل تابعة لحزب “العدالة والتنمية” في شوارع بعض المدن المغربية (الرباط نموذجاً)، حيث الإحالة على خطاب حماسي لم يتحرر نهائياً من تلك النبرة الدينية الإيديولوجية، وهو متوقع بشكل عام عند جميع الأحزاب، لأن أغلبها يدافع عن إيديولوجية معينة، بصرف النظر عن الفوارق بينها، ولكن ثمة إشكالية في الخطاب الدعائي للحزب “الإسلامي الحركي” المعني، مع حضور ذلك القاسم الديني المشترك في تلك الدعاية، والتركيز على دور “العاطفة الدينية” في إثارة انتباه الرأي العام، وبالتالي احتمال الظفر ببعض الأصوات، موازاة مع الأصوات التابعة للمشروع، بما يُفيد أن قيادة الحزب لم تستوعب كلياً التحولات التي تمر منها الساحة المغربية في الشق الخاص شعبية هذا الخطاب.
لقد أفضت بعض الانتخابات التي نظمت مؤخراً في المغرب إلى معطيات تفيد تراجع شعبية الحزب المعني، وهذا متوقع بعد تدبير ولايتين حكوميتين، كما أن الأمر يتعلق بقاعدة سائدة في العديد من التجارب السياسية، في العالم بأسره، وتكفي الإحالة على تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تدبير العمل الحكومي، ومقارنة شعبيته وبالتالي وزنه الانتخابي، قبل وبعد انخراطه في العمل الحكومي، حيث تراجعت تلك الشعبية مقارنة مع عقود من الممارسة السياسية في صف المعارضة البرلمانية، والأمر نفسه يتكرر بشكل أو بآخر مع تجربة حزب “العدالة والتنمية”، لولا أن بعض أتباع الحزب، لم يستوعبوا بعد مقتضى هذه السُّنن الحزبية العالمية، بل منهم من لا زال يفكر بعقلية المؤامرة، كأن الحزب مستهدف دون سواه، ومنهم، كما سلف الذكر، من لا زال مصراً على توظيف الدعاية الدينية في مجتمع مسلم أساساً.
هذا دون الحديث عن انخراط أتباع جماعة “العدل والإحسان” غير المعترف بها رسمياً، في حملة سياسية تدعو إلى مقاطعة الاستحقاق الانتخابي، وتعرف انخراط حتى قيادات الجماعة، من قبيل القيادي في الدائرة السياسية للجماعةـ الذي يتفاعل مع أحداث تونس أكثر من تفاعله مع أحداث المغرب، ولكنه على بعد ثلاثة أيام من الاستحقاق الانتخابي، ينشر تدوينة تدعو إلى مقاطعة هذا الاستحقاق، والأدهى أنه أستاذ علوم سياسية في إحدى الجامعات، إضافة إلى أن مجمل هذه الحملة الدعائية المضادة للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي، الصادرة عن الجماعة المعنية، تبقى في نهاية المطاف، تهم جماعة تحلم وتدعو إلى ما يُسمى “الخلافة على منهاج النبوة”، في عملة تزييف وعي الأتباع بشكل لا يُضاهى.
إصرار نسبة من أتباع الحزب “الإسلامي الحركي” على ترويج هذا الخطاب في الحملة الانتخابية، مقابل إصرار جماعة “الخلافة على منهاج النبوة” في الدعوة لمقاطعة انتخابات 8 سبتمبر الجاري، يكشف عن معضلة تهم الساحة السياسية برمتها، ولا تهم المشروع الإسلامي الحركي وحسب، وهي معضلة تواضع أدبيات الفلسفة السياسية، لأنه يصعب على متتبع من خارج المجال الثقافي المغربي والعربي، أن يستوعب كيف لحملة انتخابية، تنظم في دولة وطنية حديثة، مع بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة، بأدبيات تتحدث أو تنهل من “السياسة الشرعية”، التي حررت منذ قرون مضت، كأننا ننظم انتخابات في عهد الانتقال من الإمبراطورية الأموية إلى الإمبراطورية العباسية، أو انتخابات تنظم في عهد المغول، الذي عاصره ابن تيمية.
صحيح أن جماعة “الخلافة” غير معنية بالاستحقاق، بدليل عدم اعتراف السلطة بها، ولكن الحركة الإسلامية المعترف بها رسمياً، والمشاركة في العمل السياسي [الشرعي كما تصفه في أدبياتها]، حركة منخرطة في الاستحقاقات الانتخابية منذ عقدين ونيف، وكان من المفترض أن تكون قد تخلصت من تأثير النهل الإيديولوجي الذي يجعل بعض الأتباع يستحضر أدبيات “السياسة الشرعية” اليوم في الحملة الانتخابية، لولا أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأنه، كما سبقت الإشارة في مقال رأي سابق، التحرر من مثل هذه الأدبيات الإيديولوجية، لا يتم بين ليلة وضحاها، هذا على شرط أن يكون المعني بالتحرر منها، صادقاً في ذلك.
بقيت ملاحظة أخيرة، تهم الحزب المعني بهذه الدعاية، وهي أننا نتحدث عن الشق الإسلامي الحركي في الحزب، أي الشق التابع والمتأثر بمشروع حركة “التوحيد والإصلاح” في حزب “العدالة والتنمية”، ولا يهم بالضرورة الشق الآخر في الحزب، لكنه أقل وزناً وبالتالي أقل تأثيراً، أي فصيل أو تيار لا علاقة له بالحركة الإسلامية، ولكنه انضم إلى الحزب لأنه اعتقد حينها أن الحزب المعني، أقرب إلى الدفاع عما يُصطلح عليه “المرجعية الإسلامية”، وكان عليه المرور من تجارب الواقع، حتى يتأكد من حقيقة هذه الشعارات، أقلها أن النواة الإسلاموية للحزب، أي النواة التابعة لمشروع حركة “التوحيد والإصلاح” تبقى المتحكم الرئيسي في مشروع الحزب، ويكفي تأمل لائحة الأسماء التي ظفرت بالمناصب الوزارية والبرلمانية وفي المجالس الجماعية، حتى يتأكد المعنيون من هذا المعطى، بما يُفسر الاستقالات التي جرت لاحقاً، والصادرة حتى عن أتباع الحركة، فالأحرى أتباع التيار الذي لا علاقة له بالإسلاموية.
هذا غيض من فيض مجموعة من الأسباب التي تساعد المتتبع في قراءة الأسباب التي أفضت إلى تراجع شعبية حزب “العدالة والتنمية”، سواء تعلق الأمر بأسباب محلية/ داخلية، أو كان يهم أسباباً خارجية وإقليمية، على غرار ما نعاين في عدة تجارب إقليمية، وهذا معطى ضمن معطيات أخرى أيضاً، نأمل أن يكون مساعداً لكي ينخرط هؤلاء في مراجعات حقيقية، تأخذ مسافة من خطاب “يوم الزحف”، وأدبيات “السياسة الشرعية”، لأن هذا مغرب العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والسلوك الصوفي، ومغرب مؤسسة إمارة المؤمنين، وليس مغرب الجاهلية القديمة أو الجاهلية المعاصرة.

زر الذهاب إلى الأعلى