أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: في الحاجة إلى زرع ثقافة الطوارئ وإدارة الأزمات

الدار/ افتتاحية

الاحتجاجات التي تجتاح المطارات الوطنية أو بعض العواصم العالمية وبطلها بعض المغاربة الذين فرضت عليهم الظروف أن يجدوا أنفسهم في طريق السفر قبل أن يتم إغلاق الحدود نهائيا تؤكد بالملموس أن التأقلم مع جائحة فيروس كورونا المستجد ليس مسألة بالهينة والسهلة. لقد تم اتخاذ قرارات مشابهة منذ بداية الجائحة عدة مرات، وكلنا نتذكر أن الآلاف من المغاربة ظلوا عالقين في بلدان أخرى بعد إعلان الحجر الصحي واستمر مقامهم هناك لشهور كابدوا فيها الكثير من المعاناة. لكن المستغرب أن يعود الأمر ذاته للوقوع بعد هذه التجربة الطويلة التي عشناها مع هذا الفيروس اللعين وإجراءاته الاحترازية الاضطرارية.

هذا لا يعني أن على الناس أن يوقفوا أنشطتهم وحياتهم في انتظار زوال الجائحة بشكل نهائي، فالظاهر أنها ولدت لتبقى، وأننا مقبلون في السنوات القادمة على المزيد من المفاجآت التي تمثلها هذه المتحورات الجديدة للفيروس والتي كان آخرها متحور “أوميكرون” الشرس. لكن هناك ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتثبيت ثقافة الطوارئ في المجتمع باعتبارها وسيلة لإدارة الأزمات التي لم تعد عابرة، بل أصبحت ثابتة وطويلة الأمد. بعبارة أخرى من غير المعقول أن تتحول مثل هذه اللحظات التي تتخذ فيها السلطات قرارا صحيا حمائيا للمجتمع ولعموم المواطنين إلى مناسبات للاحتجاجات المفتوحة ولاتهام الدولة والحكومة بالتفريط في حقوق مواطنيها علما أن الأمر يتعلق أصلا بإجراء احترازي عاجل لصد كارثة صحية يمكن أن يؤدي إليها تسلل المتحور الجديد.

على هؤلاء المسافرين، رغم الظروف القاسية التي يعيشونها، سواء هنا في المطارات المغربية أو في الخارج، أن يتفهموا أن ما يتم اتخاذه من قرارات هو لصالحهم هم أيضا، وأن منع السفر ليس رغبة أو قرار مسؤول أو موظف عنّ له أن يعذب الآخرين ويشردهم، وإنما هو قرار مستعجل تتخذه اللجان المختصة في كل بلدان العالم للتصدي لكارثة وبائية شبيهة بتلك التي ضربت العالم في 2020 وراح ضحيتها ملايين الوفيات. ثقافة الطوارئ التي نتحدث عنها يجب أن تصبح إذن جزء من العادات التي يكتسبها هؤلاء المواطنون في مثل هذه الظروف. وأول ركيزة لهذه الثقافة هي اتخاذ قرار ضروري بتأجيل كل الرحلات والأسفار حتى تتضح الأمور. فمن الواضح دخلنا في فصل شتاء قاسِ تصاحبه موجة وبائية شديدة في العديد من بلدان العالم وأوربا على الخصوص، وبالتالي فإن أي قرار بالتنقل عبر العالم في مثل هذه الظرفية يعد في حد ذاته مغامرة وخروجا عن المألوف.

وإذا كانت الدولة قد اتخذت قرار التضحية باستقبال ملايين السياح بما يعنيه ذلك من كساد في القطاع السياحي وتراكم الخسائر والعطالة في هذا القطاع، فمن المطلوب من المواطنين أيضا أن يقدموا القليل من التعاون في مثل هذه الظرفية ويتخذوا القرار السليم في التوقيت الأسلم لتفادي مثل هذه الحالات الإنسانية الحرجة التي نتابعها كل يوم على شبكات التواصل الاجتماعي. وإذا كانت السلطات تبذل منذ بدء الجائحة جهودا كبيرة على مستوى التواصل من أجل الوقاية واحترام التدابير الاحترازية وحماية الناس من الإصابة بالفيروس، فإنها مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتنظيم حملات تواصلية شبيهة لكن على مستوى إدارة الأزمة بمعنى التوعية بالظروف التي يمر منها العالم وتتطلب تدبير الأنشطة التي يمارسها المواطنون بطريقة عقلانية حتى لا يقع المحظور وترتفع من جديد النداءات بضرورة التدخل لإنقاذ هذه المجموعة أو ترحيل تلك.

نحن في حاجة ماسة اليوم إلى ترسيخ ثقافة الطوارئ وإدارة الأزمات ليس على مستوى دواليب الإدارة وأجهزتها وإنما على مستوى الثقافة المجتمعية للمواطنين للإسهام في تدبير المراحل القادمة التي لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمآلها.

زر الذهاب إلى الأعلى