المواطن

قطار بوقنادل.. يفتح صفحة التحقيقات المطمورة

سعيد المرابط

 

كلما وقعت فاجعة أو كارثة بالبلاد، سارعت السلطات لفتح تحقيق، تمتص به غضب الرأي العام، وتبلسم به الجراح، حتى يذبل ضغطها في الشارع، ثم يدخل التحقيق، الرفوف ليستلمه غبار النسيان.

تم التحديث الأخير، لكرونولوجيا ”التحقيقات“، بالمغرب، اليوم؛ بُعيد فاجعة ”قطار الخليع“، التي أسقطت عشرة قتلى وعشرات الجرحى، في منطقة ”بوقنادل“، ما بين الرباط والقنيطرة؛ إذ أعلن المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، من مكان الحدث عن فتح تحقيق لمعرفة أسباب الحادث.

إعلان التحقيق في فاجعة القطار، فتح باب الذاكرة، على سلسلة تحقيقات، تم التكتم عن نتائجها، وجعل جذوة السؤال تتقد، للعديد من المواطنين عن سر تفاقم ”الصمت“، حول مصير التحقيقات، وتغاضي الأحزاب السياسية مولاةً ومعارضة، عن المطالبة بها.

كرونولوجيا ”التحقيقات المطمورة“

تطرح صحيفة ”الدار“، تساؤلات العديد من المواطنين عن مصير تحقيقات في أحداث، كان لها نصيب حصة الأسد، من شغل الرأي العام، بينما تظل السلطات متكتمة عنها، وراء سر لم يعلن حتى اليوم.

القنيطرة.. مجمع المنال

نشط قطار اليوم ذاكرة فواجع المغاربة جميعاً، على وجه العموم، أما على وجه الخصوص؛ فقد عرج بذاكرة القنيطرة، بحادثة سقوط ”مجمع المنال“، الذي سقطت معه أرواح 18 مواطناً مغربياً، منتصف يناير 2008، والتي طمس تحقيقها حتى هذه اللحظة، اللهم تصريحات صاحب المشروع، عبد ”العزيز الصنهاجي“، الذي اتهم ”جهات نافذة“، بالتورط في استغلال تواجده بالمستشفى، لتحيك الفاجعة، التي راح ضحيتها ثمانية عشر عاملاً، تحت الأنقاض.

البيضاء.. مصنع الأفرشة

شُيدت قلعة الصمت الرسمي، حول نتائج التحقيق في حادثة اِحتراق ستة وخمسين عاملاً، بمصنع للأفرشة في مدينة الدار البيضاء، نهاية أبريل 2008، وتمت متابعة صاحب المصنع ونجله بتهم ”غياب متطلبات السلامة، القتل الخطأ وإصابات بغير عمد“، ليتم إطلاق سراحهم في ما بعدما غير الناجون أقوالهم أمام العدالة.

الرباط.. جمهور موازين

شهد الأسبوع الأخير، من شهر ماي سنة 2009، وقوع حادثة تدافع لجمهور مهرجان ”موازين“ بالعاصمة الرباط، راح ضحيته أحد عشر شاباً مغربيا، وجرح فيه العشرات، بينما فتحت على إثره وزارة الداخلية تحقيقا، حول أسباب الفاجعة، ولا زال يُنتظر الإفراج عنه، حتى الآن.

مكناس.. مسجد باب بردعين

عاشت مدينة مكناس، على وقع فاجعة أخرى، في التاسع عشر من شهر فبراير سنة 2010، راحت ضحيتها روح واحد وأربعين، وأزيد من سبعين جريحاً، تحت صومعة مسجد ”باب بردعين“ انهارت على فرقة من المؤمنين يؤدون صلاة الجمعة.
رافق الفاجعة ضغط شعبي وإعلامي، اضطرت السلطات تحت لفتح تحقيق، يحدد ملامح مسؤولين الحادث، لكن مضامينه لا زالت طَي الكتمان.

العيون.. مخيم أكديم إزيك

عرفت مدينة العيون، فِي اليوم الثامن، من نوفمبر 2010، عملية تفكيك مخيم ”أكديم إزيك“، التي تحولت إلى ”مواجهات دامية“، خلفت العديد من الضحايا في القوات العمومية والمدنيين.

وأعلنت ”اللجنة البرلمانية“ عن تقريرها حول تفكيك المخيم، دون الكشف عن ملابسات الأحداث الدامية، ولا المتورطين الحقيقيين فيها.

كلميم.. موتى في حاوية أزبال

شهدت مدينة كلميم، شتاء 2014، تساقطات مطرية كبيرة، خلفت فياضانات جارفة، تركت المدينة في عزلة تامة، خلفت أكثر من ثلاثين ضحية، وأودت بأرواح أزيد من الأربعين، وخسائر مادية كبيرة.
وخلفت هذه الفياضانات، سخطاً شعبياً عارماً بعد انتشار صورٍ ”لشاحنات أزبال تنقل جثث الضحايا“، مما اضطر وزارة الداخلية لفتح تحقيق لتحديد المسؤولين، والأسباب، ولم تصدر نتائجه حتى اللحظة.

طانطان.. محرقة حافلة الأطفال

تطفوا إلى الذاكرة، صور 34 جثة، بينها 13 طفلاً في عمر الزهور، متفحمة على قارعة الطريق، بجماعة ”اشبيكة“، في إقليم طانطان، إثر اصدام حافلة كانت تقلهم، بشاحنة نقل بضائع يشتبه في حملها وقودا مهرباً من الجنوب في إتجاه الشّمال.
وجهت أصابع الإتهام إلى مسؤلين وبرلمانيين في الصحراء، لكن النتائج لا زالت تنتظر حتى الآن.

بنيعيش: هل يفتح التحقيق حقاً!

أرجع المحلل السياسي، ”مراد بنيعيش“، الصمت الذي يشوب نتائج التحقيقات، في ملفّات وفواجع بالمغرب، إلى ما اعتبره ”تستراً عن الفاعل الحقيقي والمسؤول المباشر عن أخطاء في القطاعات التي أنتجت الفواجع“.
وأوضح بنيعيش، الخبير الأمني، في حديث خَص به صحيفة ”الدار“، أنه في العرف العالمي، ”يتحمل المسؤول السياسي، المسؤولية الأخلاقية والقانونية لأي كارثة تلحق بالمواطنين، إلا في المغرب، تفتح التحقيقات“، مضيفاً أن الأخطر من هذا هو ”هل يفتح فعلا التحقيق أم لا!“.
ويعرج مراد، على غياب ”دور الصحافة الحقيقي“، في ”تتبع تماطل التحقيقات، الذي يكون من أجل البحث عن كبش فداء، الهدف منه عدم دخول الدولة كطرف في القضايا“.

ويؤكد بنعيش ”أن فاجعة قطار بوقنادل ستنسى سريعاً، عبر خلق إلهاء للرأي العام“، مشيراً إلى ”كم من حاجة قضيناها بتركها“.

واعتبر بنيعيش، غياب نتائج التحقيقات التي فتحت حول؛ ”أمي فتيحة، محسن فكري، فياضانات الجنوب، فاجعة طانطان، ضحايا مسجد مكناس“ أنه تكريس ”لعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة“، مشيراً إلى أن ”لوبيات الفساد أقوى من الحكومة المنتخبة، التي خولها دستور 2011 صلاحيات واسعة“.

جدير بالذكر أن السلطات، قد فتحت بحثاً قضائياً في حادثة ”قطار الخليع“، من أجل استقراء ظروف وأسباب الفاجعة، التي حدثت صباح اليوم، والتي أودت بسبع قتلى، وأكثر من 120 جريحاً.

وحسب بلاغ وكيل الملك ”إستئنافية الرباط“، فمن المنتظر أن يستمع محققو الدرك الملكي إلى شهود عيان، المشرفين على الرّحلة، وإجراء كافة التحريات التقنية لمعرفة سبب انحراف القطار.

ويتناقل رواد مواقع التواصل بالمغرب، أسئلة حول مصير التحقيق، هل سيكشف عن الوجه الحقيقي للكارثة، أم هو مداهنة وتلاعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى