الدين والحياة

تقرير إخباري: هذه دلالات غسل وتقبيل بابا الفاتيكان للأقدام

الدار/ عفراء علوي محمدي

في مشهد غريب أثار الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ركع بابا الفاتيكان فرانسيس، أمس الخميس، ليقبل قدمي سلفاكير ميارديت، رئيس جنوب السودان، وزعيم المعارضة، النائب السابق للرئيس، رياك مشار، فضلا عن شخصيات أخرى كانت رفقتهما، داعيا إياهم إلى الحفاظ على السلام وتجنب الحرب الأهلية في بلادهما.

وحث البابا الرجلان، متوسلا، على احترام الهدنة، والوفاء بالتزامهما بتشكيل حكومة وحدة وطنية في شهر ماي المقبل، وفقاً لاتفاق السلام الموقع بين أطراف الصراع بالبلاد، في شتنبر الماضي.

وقال البابا لرئيس السودان، بمساعدة مترجم، وهو يقبل رجليه أمام أنظار الحاضرين، الذين تألفوا من مسؤولبن بحكومة جنوب السودان وأعضاء مجلس الكنائس بالبلاد، زاروا مؤخرا دولة الفاتيكان للمشاركة في "لقاء روحي"، (قال): "أطالبكم كأخ، بأن تحافظوا على السلم، وأسألكم ذلك من قلبي، لنمضي ونتقدم، وننجح في حل المشاكل العالقة".

ضجة واستغراب

وفي تعليقهم على فعل البابا فرانسيس، اعتبر بعض نشطاء العالم الافتراضي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن بابا الفاتيكان "دؤوب على تطبيق الطقوس الدينية المسيحية، التي تجعل من طقس تقبيل البابا للأرجل والأيدي "دلالة على خدمته للمسيحيين"، والذين يشكلون نسبة كبيرة في دولة جنوب السودان، وهم التابعون أساسا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

من جهة ثانية، اعتبر آخرون أن المسألة "لا علاقة لها بالتضامن مع المسيحيين"، لأن "البابا يعتقد أن ميارديت هو تلميذه النجيب الذي نجح في فصل جنوب السودان عن شمالها، وبالتالي تجميع المسيحيين وحفظ السلام، وهو بذلك يشكره"، على حد قوله.

ولاقت فعلة البابا فرانسيس أيضا الكثير من السخرية والاستنكار على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال أحدهم "هذه مبالغة كبرى لا تليق بأن يفعلها إنسان وتتنافى مع الطبيعة الأنسانية"، بينما رد عليه آخرون "لا تتعجبوا، فالمسيحيون يعتقدون أن يسوع كان يغسل أقدام تلامذته، واستمر بذلك هذا الطقس حتى بعد وفاته"، في الوقت الذي علق بعضهم يقول "الحمد لله على نعمة الإسلام".

تصرف اعتيادي

وانطلاقا من هذه الواقعة، تذكر متتبعون كثر أحداثا مشابهة للبابا فرانسيس، الذي اعتاد،  ومنذ توليه منصب رئيس دولة الفاتيكان في 13 مارس 2013، على تقبيل وغسل أرجل مجموعة من الأشخاص، سواء كانوا مسيحيين أو من ديانات أخرى، أبرزها غسله وتقبيله لأقدام 11 لاجئا مسلما ومسيحيا وهندوسيا، يوم الخميس 24 مارس 2016.

وقتها، خصص البابا فرانسيس قداسا على شرف مجموعة من اللاجئين والمهاجرين، قال فيه إن الجميع "إخوة"، مطالبا هؤلاء المهاجرين بالقيام بـ"بادرة أخوة"، وتجنب "المذابح" و"الحروب" التي قال عن روادها إنهم "متعطشون للدماء".

وركع البابا أمام اللاجئين، وسكب الماء المقدس على أقدامهم من إبريق نحاس أصفر، ثم مسحها وقبلها، ويتألفون من 3 مسلمين من سوريا ومالي وباكستان، وأربعة نيجيريين كاثوليك وثلاث إريتريات قبطيات، إضافة لهندي هندوسي.

وقبل ذلك، وتحديدا عام 2014، قبل البابا فرانسيس قدم ليبي مسيحي يبلغ من العمر 75 سنة، ويعاني من إعاقة بجهازه العصبي، نتيجة حادثة سير تعرض لها، مشيرا إلى أن هذا الطقس "هو وسيلة لقبول الآخر".

وبموازاة، قام بابا الفاتيكان بغسل وتقبيل أرجل 12 شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة، متنوعي الأديان والجنسيات، منهم 3 ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء.

وكان البابا كذلك قد نظم مراسيم دينية بعد توليه لمنصب رئيس الفاتيكان بمناسبة عيد الفصح سنة 2013، حيث قام من خلالها بغسل أقدام 12 مقاتلا، تتراوح أعمارهم بين 14 و21 سنة، بسجن للأحداث بالعاصمة الإيطالية روما، لدعم سمة "التواضع" التي كان يسعى لإقرارها في سنوات تنصيبه الأولى.

وتم ذلك في كنيسة سجن كاسيل ديل مارمو القريبة من العاصمة الإيطالية روما، حيث قام البابا بغسل قدمي شابة إيطالية كاثوليكية، وأخرى صربية مسلمة، فضلا عن 10 ذكور اختيروا لتمثيل جنسيات مختلفة من إيطاليا وشمال أفريقيا وشرق أوروبا.

لغسل الأرجل دلالات

ومن خلال ما تمت الإشارة إليه، يتضح أن طقوس تقبيل الأرجل وغسلها بالنسبة لبابا الفاتيكان كانت مقترنة بالأساس بعيد الفصح المسيحي، وخصوصا يوم السر العظيم، الذي يقوم فيه البابا باختيار 12 فردا، لغسل أرجلهم وتقبيلها.

إلى ذلك، بدا التصرف الذي قام به البابا فرانسيس مع رئيس دولة جنوب السودان ونائبه السابق ارتجاليا وفرديا، لعدم ارتباطه بأي يوم أو حدث، وقيامه بتقبيل أرجل الرجلين، دون حاجة إلى نزع الأحذية، أو غسل هذه الأرجل، خلافا لما تحث عليه الطقوس المسيحية.

وجرت العادة، حسب التقاليد الكاثوليكية، أن يغسل البابا رجلي 12 راهبا، في يوم الخميس المعروف باسم "يوم السر العظيم"، أي قبل يوم الجمعة العظيمة أو الحزينة في عيد الفصح الذي ينظم في شهر مارس/أبريل من كل سنة، وذلك استنادا لما ذكر في كتاب الإنجيل.

وتحدثت مختلف الأناجيل عن غسل المسيح لأقدام تلامذته وتقبيلها تواضعا منه قبل العشاء الأخير الذي يسبق يوم الفصح، وحسب رواية إنجيل يوحنا، يتم ذلك اقتداء بالعادة الفلسطينية القديمة التي تحث على أن يغسل العبيد أرجل سادتهم، لتتبناه الكنيسة الكاثوليكية فيما بعد، بحيث يغسل الكاهن يوم الخميس المقدس الذي يسبق عيد الفصح، أقدام اثني عشر شخصا يرمزون إلى رسل المسيح.

وتطور طقس غسل الأرجل  لتتبناه الكنيسة الكاثوليكية، غير أن بابا الفاتيكان الحالي أدخل بعض التعديلات على هذه الطقوس، وللمرة الأولى، حيث أباح اعتمادها على غير الرهبان، كما كسر قاعدة اعتمادها بالنسبة للرجال فقط، وأباح غسل أرجل النساء بنفس الطريقة، كتقليد جديد.

وفي واقع الأمر، كانت تجري طقوس يوم السر العظيم في الغالب على 12 راهبا في كنيسة سان جون لاتيران الذي كان قصرا باباويا في السابق، في إشارة رمزية إلي الرسل 12 الذين حضروا العشاء الأخير للمسيح، بينما الآن، جاز باب الفاتيكان ممارسة هذه الطقوس في أي مكان، وعلى المسيحيين وغير المسيحيين، والرهبان وغير الرهبان.

تواضع ووداعة

في تعليقه على واقعة تقبيل بابا الفاتيكان لأرجل رئيس جنوب السودان، قال آدم الرباطي، القس المغربي، أن ما فعله البابا فرانسيس "من شيم وأخلاق المسيحي"، وهي مسألة تثبت "التواضع والوداعة والتسامح"، على حد قوله.

وزاد الرباطي، في تصريحه لموقع "الدار"، أن هذا السلوك "هو سلوك المسيحيين جميعا، فكل المسيحيين في العالم، وجميع الكنائس الرسولية والكنائس الدستورية تعترف بهذا السلوك، استنادا لآيات ذكر فيها هذا السلوك في الكتاب المقدس"، مؤكدا أنه مقتبس من واقعة غسل المسيح لأرجل تلامذته، و"هكذا فالمسيحيون لا يجدون أي حرج في إكرام الناس وغسل أرجلهم بغض النظر عن ديانتهم"، حسب تعبيره.

"ما يسموه البعض بطقس تقبيل الأرجل وغسلها هو في الواقع واجب كنسي ثابت، تحث عليه جميع الكنائس الرسولية، ويتحلى به جميع المسيحيين وليس الرموز المسيحية الكبيرة.

وأشار إلى أن هذا الفعل قد سبق وقام به مجموعة من الباباوات والقساوسة عبر العالم، وأكد "أنا شخصيا حين يحل ضيف في بيتي، أعد الماء الدافئ وأغسل رجليه للترحيب به"، يقول الرباطي.

فكر متشدد وحقد دفين

وفي رده على انتقادت نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تصرف بابا الفاتيكان الأخير، قال أدم الرباطي إنهم "يملكون فكرا متشددا وحقدا دفينا للمسيحية، وأنا من هذا المنطلق أتحدى أن يقوم شيخ إسلامي بفعل الأمر نفسه، لأنه أمر سامي، ولا ينقص من قدرنا شيئا، بل هي أخلاقنا التي توارثناها عبر العصور من المسيح"، حسب تعبيره.

ومن جهته، قال محمد سعيد، المسيحي المغربي والباحث في مجال العلوم الإنسانية، إن ما قام به بابا الفاتيكان "لا يتناقض مع العقيدة المسيحية، بل  يكملها ويطابقها، ويثبت أن البابا خادم للإنسانية وليس العكس، تيمنا بما قام به المسيح مع تلامذته في عشائه الأخير"، وفق قوله.

وحول تعليقات المنتقدين، أكد سعيد، في تصريح لموقع "الدار"، إن التعليقات المذكورة "منحطة ودنيئة"، وأضاف: "أصحابها معذورون على كل حال، لأنهم يجهلون دلالات النص الكتابي المقدس، ويتكلمون وفقا لإيديولوجيا وقراءات مغلوطة تربو عليها، وتصرف البابا لا ينتقص من قيمته ولا من شأن الديانة المسيحية، لأنه يتعلق بالخدمة الجليلة للبشرية".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى