أخبار الدار

“حكرة” النقيب السابق محمد زيان

الدار/

أن تنتقد شرطيا أو جهاز الشرطة فهو أمر مشروع، بل هو تمرين ديموقراطي يؤشر على اتساع حرية التعبير في بلادنا من جهة، ويضمن نوعا من المراقبة المواطنة على سلوك موظفي الشرطة من جهة ثانية، والتي هي من أهم تجليات ومرتكزات مفهوم الحكامة الأمنية الجيدة.

 لكن أن يزايد النقيب السابق محمد زيان على الشرطيين، ويتهمهم بالإجماع على أنهم "حكارة"، فهذا ليس بالأمر المشروع ولا بالتمرين الديموقراطي، وإنما هو موقف جاهز، وأحكام قيمة، تنطلق من خلفية معروفة وراسخة لدى الرجل، جعلته يعمم الأحكام في نازلة كان يفترض فيه أن ينزع نحو التخصيص، لأننا أمام حالة متفردة بظروفها الملابسة، وليس أمام سلوك ممنهج لدى جميع منتسبي الجهاز.

 وتعليقا على هذا الموضوع، يؤكد مصدر أمني بأن تصريحات النقيب السابق محمد زيان لا يمكن اعتبارها سوى "حكرة" لعموم الشرطيين، لأن فيها اتهام جماعي ومجاني لكافة الأمنيين بتجاوز القانون، وهي مسألة غير سليمة ولا مستساغة لا عقلا ولا منطقا، قبل أن يردف ذات المصدر، بأن النقيب السابق لم يقرأ جيدا دلالات ومقاصد بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، إما عمدا لأهداف خاصة به، أو عن جهل مركب بثنايا البلاغ.

فبلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، الذي يعبر عن وجهة نظر المؤسسة بكافة منتسبيها، تضمن عدة نقط أساسية، تتمثل أولها في تخويل صلاحية البحث القضائي في قضية الشرطي للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء، وهي ضمانة قوية تدعم الحياد والشفافية، إذ تم نقل الاختصاص الترابي من فرقة الشرطة القضائية بأمن البرنوصي التي يعمل فيها الشرطي المشتكى به، والتي وقعت في دائرة نفوذها الجرائم المفترضة، وتم إسناده للمصلحة الولائية للشرطة القضائية، والتي هي فرقة ذات اختصاص ولائي على صعيد الدار البيضاء الكبرى. والهدف من هذه المسألة هو توفير وتوطيد مقومات الشفافية والحياد والتجرد المطلوبين في مثل هذا النوع من القضايا.

النقطة الثانية التي حفل بها بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، هو عنصر التفاعل التلقائي والسريع مع "المباشر" الذي نشره الفكاهي أمين الراضي، بحيث بادرت مصالح الأمن بإجراء بحث إداري والتماس البحث القضائي دونما انتظار التوصل بشكاية مباشرة أو عن طريق تعليمات النيابة العامة المختصة.

وماذا يعني كل هذا؟ يتساءل المصدر الأمني، قبل أن يرد على الأستاذ محمد زيان،  بأن المديرية العامة للأمن الوطني كانت حريصة على التجاوب مع نداءات المواطنين سواء تلك الواردة في شكل بلاغات أو شكايات أو وشايات أو حتى تلك المنشورة افتراضيا في منصات التواصل الاجتماعي. وهذا التفاعل الإيجابي يفضي إلى فتح تحقيقات سريعة ومعمقة تنتهي إما بتثبيت مسؤولية رجل الأمن عن التجاوزات المنسوبة إليه، وفي هذه الحالة يتم توقيع الجزاءات المنصوص عليها قانونا، ويتم النظر إلى ذلك على أنه انزلاق شخصي يرتب مسؤولية مرتكبه فقط، أو أن البحث قد يخلص إلى عدم تأكيد تلك التجاوزات، وفي هذه الحالة يبقى للشرطي حق اللجوء إلى القضاء لجبر الضرر اللاحق به جراء ما قد تتسبب فيه الشكايات الكيدية المسجلة في حقه. 

أما النقطة الثالثة في البلاغ، فتتمثل في الإيعاز إلى المفتشية العامة بفتح بحث إداري موازي، وهي مسألة ليس فيها تداخل مع البحث القضائي الذي تشرف عليه النيابة العامة المختصة، وإنما هي ضمانة قوية وإضافية لفائدة المواطن المشتكي! كيف ذلك؟ يجيب المصدر الأمني، بأن البحث القضائي يروم التدقيق في العناصر التأسيسية المادية والمعنوية للجرائم المرتكبة، أما البحث الإداري فيعكف على التحقق من مدى مطابقة سلوك موظف الأمن لأخلاقيات المهنة الشرطية، ومدى احترامه لضوابط العمل، ومدى إخلاله بالسلوك اللائق إزاء المواطنين. 

وتبقى النقطة الرابعة والأخيرة، وهي الأكثر أهمية، تلك المتمثلة في أن المديرية العامة للأمن الوطني عندما تبادر بفتح التحقيقات القضائية والإدارية في مثل هذا النوع من القضايا، إنما تنزع عنها نهائيا وتتجرد بصورة قطعية مع ما يسمى ب"المقاومة المؤسسية"!. وبتعبير أكثر بساطة، فمصالح الأمن لا تنتصب، ولا يمكنها أن تنتصب، مدافعة عن موظف يخالف القانون، ولا يمكنها أن تقاوم بشكل مؤسساتي تنفيذ القانون في مواجهته، وهذه قرينة قوية تؤكد بأن المخالفات التي يرتكبها الموظف إنما هي سلوك شخصي وليس نسقا ممنهجا صادرا عن المؤسسة بأكملها.

وإعمالا لهذا المنطق القانوني، يؤكد المصدر الأمني، فإن موظفي الشرطي ليسوا "حكارة" كما يزعم النقيب السابق محمد زيان، وإنما هم موظفون عموميون مكلفون بإنفاذ القانون، تبقى الإدارة مدافعة عنهم متى كانوا في إطار القانون، لكنهم يرزحون تحت سلطة القانون متى تجاوزوا أحكامه.

وفي ختام تصريحه، شدد المصدر الأمني على أن النقيب محمد زيان كان حريا به أن ينهل من لغة القانون في تعليقه على هذه القضية، التي لا زالت  في طور البحث القضائي، لا أن يلقي الكلام على عواهنه ، ويلوذ بالتعميم في وقت كان مفروضا فيه أن ينحو منحى التخصيص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى