أخبار دولية

المهاجرون في ليبيا.. معاناة الستينيات تتواصل إلى اليوم

سلطت الضربة الدموية التي أسفرت اليوم الأربعاء عن مقتل عشرات المهاجرين في ليبيا الضوء على أزمة متنامية لهذه الشريحة المهمة من المجتمع، وما يمكن فعله لمعالجتها في ظل اتساع رقعة الاضطرابات حول العالم والظروف التي ترغمهم على سلوك هذا الطريق الصعب.

وتميزت ليبيا بكونها من أكبر احتياطات نفط في العالم، حيث كانت وجهة مهمة للمهاجرين من أماكن مختلفة منذ الستينيات. فمثلا بحلول عام 2009، احتوت ليبيا قرابة مليوني مصري في البلاد، معظمهم عمل بشكل غير نظامي، حسب تقرير مشروع الاحتجاز العالمي وهي منظمة حقوقية مقرها جنيف.

في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، أدى تحول نظام القذافي إلى الوحدة الإفريقية لتدفق متزايد من المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

في عام 2007 بدأ نظام القذافي في فرض أنظمة التأشيرات على الوافدين، وفجأة أصبح آلاف المهاجرين "غير نظاميين".

بعد الحرب الأهلية فر قرابة 800 ألف مهاجر، معظمهم إلى تونس ومصر.

لكن لاحقا وبسبب تزايد الاضطرابات في دول الجوار بل حتى في الشرق الأوسط، أصبحت ليبيا بلد عبور رئيسي للمهاجرين إلى أوروبا من جميع أنحاء إفريقيا، بل حتى من دول بعيدة مثل سوريا وباكستان.

منذ بداية الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، شهدت البلاد نزاعا مسلحا مستمرا بين الجماعات المتنافسة بما فيها الميليشيات والقوات الحكومية. مكنت الفوضى الناتجة عن ذلك الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية والمهربين والمتاجرين بالبشر من السيطرة على جزء كبير من تدفق المهاجرين، مستفيدين من دعم اوروبي يهدف للحد من الهجرة.

بحلول أواخر عام 2017، قدرت المنظمات الدولية وجود أكثر من 400 ألف مهاجر في ليبيا، من بينهم حوالي 45 ألف تم تسجيلهم كلاجئين أو طالبي لجوء، وفقا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

فبحسب إحصاء حديث للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يصل العدد إلى 33 مركز احتجاز رسمي. فيما قدرت المنظمة الدولية للهجرة، في منتصف عام 2018، وجود 20 مركز احتجاز، دون احتساب المرافق غير الرسمية.

تم توثيق بعض هذه المراكز في طرابلس وتاجوراء وطويشة وزلاتان وطبرق وأجدابيا وصبراتة ومصراتة عين زارة والكفرة، حسب معلومات مستقاة من المنظمة الدولية للهجرة ومنظمات دولية غير حكومية.

ليبيا محفوفة بالمخاطر بالنسبة لللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين الذين يعانون غالبا من سلسلة انتهاكات تفاقمت بعد اندلاع الازمة الليبية في عام 2011، بما في ذلك اعتقالهم في مراكز احتجاز سيئة، لأجل غير مسمى.

ووفقا للأمم المتحدة فان الظروف في هذه المنشآت التي يخضع الكثير منها لسيطرة الميليشيات تشكل "مصدر قلق بالغ". اذ أنها دائما ما تكون مكتظة وتعاني من نقص متكرر في المياه والغذاء والرعاية الطبية.

يتعرض المحتجزون إلى سوء المعاملة الجسدية والتعذيب. كما أن السخرية والعبودية منتشرتان وسط غياب تام للرقابة.

في عام 2017 تعرضت ليببا إلى انتقادات دولية حادة بعد عرض شبكة "سي ان ان" وثائقيا يُظهر مهاجرين أفارقة يتم بيعهم رقيقا قرب طرابلس.

لا يُعترف بالنساء والأطفال على أنهم يحتاجون إلى عناية خاصة، وبالتالي يظلون عرضة بشكل خاص لسوء المعاملة، بما في ذلك الاغتصاب والاتجار بالبشر والابتزاز والعمل القسري والإعدام خارج نطاق القضاء.

على الرغم من سوء المعاملة الواسعة للمهاجرين في ليبيا، واصلت أوروبا التفاوض على خطط مثيرة للجدل مع مختلف الكيانات الفاعلة في ليبيا للحد من تدفق العابرين الأجانب، على الرغم من تورط بعضها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

يقول مراقبون ان الترتيبات الأوروبية مع السلطات الليبية تسببت في عمليات طرد جماعي وزيادة حادة في عمليات الاحتجاز ما أدى إلى انشاء ما وصف بـ “واحد من أكثر أنظمة الاحتجاز ضررا في العالم".

جراء تلك الإجراءات التعسفية، انخفضت بشكل حاد أعداد الأشخاص القادمين من ليبيا إلى أوروبا، عبر ما يسمى بـ "طريق الموت".

في منتصف عام 2018، وصل حوالي 20 ألف شخص عن طريق البحر مقارنة بـ 120 ألف مهاجر في عام 2017 وأكثر من 180 ألف في عام 2016. بعض المهاجرين يلقون حتفهم غرقا في البحر، رغم جهود الإنقاذ المدعومة من أوروبا.

بحلول منتصف عام 2018، قدرت المنظمة الدولية للهجرة ما لا يقل عن 679 ألف مهاجر داخل البلاد.

مؤشرات الفساد في منظمة الشفافية الدولية صنفت ليبيا في عام 2017 في المرتبة 171 من أصل 180 دولة.

وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الفساد منتشر أيضا في مرافق الاحتجاز في ليبيا وأن المهربين يديرون بعض هذه المنشآت.

قال معتقلون سابقون إنهم أجبروا على دفع رشاوي تبلغ حوالي 500 دولار للمسؤولين مقابل إطلاق سراحهم، قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى عملية نقل من معسكرات بعيدة، إلى أخرى قريبة من طرابلس.

نقلت المنظمة عن أحد المحتجزين السابقين "هؤلاء الذين لا يملكون المال ظلوا في الكفرة.. كل شيء يعتمد على المال".

حتى اللاجئين الموثقين لم يسلموا من الانتهاكات. فقد رصدت جماعات حقوق الإنسان إرسال مهاجرين شرعيين إلى مراكز احتجاز بعد خلافات مع أرباب العمل، مع تعرض بعضم الى العبودية والابتزاز كإرغام بعضهم على العمل بدون أجر، مقابل اطلاق سراحهم.

أبلغت المنظمة الدولية للهجرة عن ظهور "أسواق الرقيق" المزدهرة على طول طرق الهجرة إلى ليبيا حيث "يتم بيع المهاجرين وشراؤهم من جنوب الصحراء الكبرى من قبل الليبيين، بدعم من الغانيين والنيجيريين الذين يعملون لصالحهم".

وفي ماي 2017 أبلغت المحكمة الجنائية الدولية مجلس الأمن الدولي بأنها تستكشف جدوى إجراء تحقيق في "الجرائم المتعلقة بالمهاجرين في ليبيا، ومحاكمة مرتكبيها"، داعية إلى "نقل جميع المعتقلين إلى سلطة الدولة، بما في ذلك … المهاجرون المحتجزون بدوافع مالية وسياسية".

تقول منظمات دولية إن وضع المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في البحر في مراكز احتجاز بشكل تلقائي يعرضهم لخطر انتهاكات حقوق الإنسان، والتي يمكن تخفيفها عن طريق توسيع نطاق استخدام الملاجئ وغيرها من التدابير غير الاحتجاجية التي اقترحها خبراء دوليون.

لا يبدو أن هناك أي أحكام قانونية تنظم الأشكال الإدارية لاحتجاز المهاجرين، لذا تشير المنظمات الدولية إلى وجود حاجة ماسة للبلد لوضع إطار قانوني سليم لسياسات الهجرة الخاصة به بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى