أخبار الدارسلايدر

من يرد الاعتبار للكاتب بوعلام صنصال.. بعد تطاول عبد المجيد تبون؟

الدار/ تحليل

في وقتٍ عصيب تعيش فيه الجزائر جدلاً حول هويتها الوطنية وعلاقتها مع الماضي الاستعماري، خرج الرئيس عبد المجيد تبون ليُطلق تصريحات قاسية تجاه الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال. فقد وصفه بـ”اللص” و”مجهول الهوية والأب”، في إشارة واضحة إلى موقفه المعارض لنظام الحكم في الجزائر وتوجهاته حول تاريخ البلاد.

هذا الهجوم يعكس حالة من القلق الشديد لدى السلطات الجزائرية، ويُسلط الضوء على التوترات الحالية التي تحكم العلاقة بين السلطة والمثقفين، وكذلك مع ذاكرة الاستعمار.

إن حديث الرئيس تبون عن صنصال بهذه الطريقة القاسية هو محاولة واضحة لتشويه صورة كاتب لا يخشى التعبير عن رأيه، حتى وإن كان هذا الرأي يتعارض مع مواقف الدولة الرسمية. صنصال، الذي عاش معظم حياته في المنفى، يظل واحداً من أبرز الكتاب الذين تمسكوا بمواقف نقدية ضد النظام السياسي الجزائري وضد التشوهات التي يراها في سلوكياته، سواء من خلال مقالاته أو رواياته التي تبرز التوترات الاجتماعية والسياسية في الجزائر.

حديث بوعلام صنصال عن العلاقات الجزائرية المغربية خلال فترة الاستعمار الفرنسي أثار غضباً شديداً في الجزائر، حيث وصف نصف الجزائر بأنه كان ينتمي إلى المغرب في زمن الاستعمار الفرنسي. لكن السؤال المطروح هنا هو: هل ما قاله صنصال هو خيانة فعلاً، أم أنه مجرد استعراض للحقيقة التاريخية التي قد تكون مؤلمة ولكنها ضرورية؟ حديثه لا يهدف إلى تمزيق وحدة الجزائر، بل يعكس نظرة نقدية لتاريخ المنطقة الذي قد يكون غامضاً أو مُحرَّفاً.

يجب أن نعي أن بوعلام صنصال هو شخصية ثقافية وفكرية لها وزنها في المجتمع الفرنسي والجزائري على حد سواء، وله الحق في طرح رؤيته حول الحقائق التاريخية. هل يُعقل أن يتم معاقبته لمجرد أنه أطلق رأياً تاريخياً يعارض الموقف الرسمي؟ إن تسفيه تصريحاته بهذه الطريقة يعد استجابة غير ناضجة من جانب السلطة الجزائرية، ويؤكد على خوفهم من الانفتاح على حوار تاريخي قد يكون محرجاً للبعض.

توقيف صنصال في 16 نوفمبر 2024 واتهامه بموجب المادة 87 مكرر، التي تُعدُّ كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية بمثابة “فعل إرهابي أو تخريبي”، يطرح تساؤلات كبيرة حول حدود حرية التعبير في الجزائر. التهم التي وُجهت إليه تبدو وكأنها أداة لقمع أي نقد سياسي، مما يعكس حالة من الاستبداد والمغالاة في فرض الرؤى السياسية الرسمية.

إن محاكمة صنصال على هذه الخلفية السياسية تشكل تهديداً لحرية الفكر والتعبير، وتشير إلى فشل النظام في معالجة الاختلافات الفكرية بطرق سلمية وديمقراطية. لا شك أن صنصال قد قدم الكثير للثقافة الجزائرية، ويجب على النظام الجزائري أن يعترف بمساهماته الأدبية والفكرية بدلاً من أن يلاحقه تحت طائلة القوانين المقيدة للحريات.

الموقف الفرنسي من اعتقال صنصال هو تأكيد على أن حرية التعبير يجب أن تكون في صلب العلاقات الدولية بين الدول الديمقراطية. وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو وصف اعتقال صنصال بـ”غير المبرر وغير المقبول”، وهذا يعكس تأثير فرنسا على الساحة الدولية، وهو أمر قد يحرج الجزائر على الصعيد السياسي والدبلوماسي.

الرد على تصريحات عبد المجيد تبون يكون بالعودة إلى حقوق الإنسان والحرية الفكرية، التي يجب أن تكون مقدسة في أي مجتمع. النظام الجزائري مطالب بالاعتراف بأن صنصال لا يمثل “اللص المجهول الهوية” كما وصفه تبون، بل هو جزء من تاريخ ثقافي غني يجب احترامه. فالتاريخ لا يمكن أن يُعاد صياغته حسب رغبات السلطة، بل هو سلسلة من الحقائق التي لا يمكن التهرب منها، حتى وإن كانت مؤلمة.

إن السعي لانتقاد بوعلام صنصال بهذه الطريقة ليس مجرد هجوم على شخصه، بل هو هجوم على مفهوم حرية التعبير والاختلاف الفكري. بوعلام صنصال كان دائماً في طليعة المدافعين عن حرية الرأي، ويجب أن يكون له مكانة في تاريخ الجزائر، وليس فقط باعتباره مواطناً في الخارج بل أيضاً كأديب وكاتب جزائري حر.

يجب على الجزائر أن تتجاوز سياسات القمع وأن تسمح للمثقفين والأدباء بالتعبير عن آرائهم بحرية، لأن ذلك هو السبيل لبناء مجتمع ديمقراطي مفتوح.

زر الذهاب إلى الأعلى