المغرب والولايات المتحدة ، ربع قرن من الصداقة والتحالف الراسخ.

الدار/
في خطوة تعكس عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، أقر الكونغرس الأمريكي القرار H.RES.251، الذي يكرم مرور 250 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي تعود إلى اللحظة التي كان فيها المغرب أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة سنة 1777.
هذا القرار لا يجسد فقط، مجرد احتفاء بتاريخ مجيد، بل هو شهادة على متانة الروابط التي جمعت البلدين عبر القرون، من معاهدة السلام والصداقة لعام 1787 ، التي تظل أقدم معاهدة دبلوماسية غير منقطعة في التاريخ الأمريكي، إلى شراكة حديثة تتجلى في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وهو أيضا تذكير بالدور الريادي الذي لعبه المغرب، منذ نشأة الولايات المتحدة، في إرساء قيم الصداقة والتعاون، إذ لم يكن إعترافه بإستقلالها مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل كان إعلانا واضحا عن رؤية إستشرافية لدولة تدرك أهمية الحوار والإنفتاح على العالم.
يتناول القرار محاور متعددة تعكس الأبعاد المتشعبة للعلاقة بين الرباط وواشنطن، بدءا من التعاون العسكري الذي يتجلى في التدريبات المشتركة، وعلى رأسها مناورات الأسد الإفريقي ، مرورا بالشراكة الإقتصادية التي تعززها إتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وانتهاءا بدور المغرب في تعزيز الإستقرار الإقليمي، سواء من خلال إنخراطه في اتفاقيات أبراهام ، أو عبر جهوده المستمرة في محاربة الإرهاب والتطرف.
كما يسلط القرار الضوء على الإرث الثقافي والروحي الذي يتميز به المغرب، مشيدا بتقاليده الراسخة في التسامح الديني والتعايش السلمي، وهو ما إنعكس عبر قرون من إحتضان الجاليات المختلفة، ومن بينها الجالية اليهودية، في نموذج فريد من التناغم بين الأديان والثقافات جسد أسمى صور للتسامح و العيش المشترك.
ويأتي تمرير هذا القرار في سياق يتسم بتقارب متزايد بين البلدين، حيث لم تعد العلاقات بين المغرب وأمريكا تقتصر على البُعد الدبلوماسي التقليدي، بل أصبحت تجسد شراكة متينة تقوم على المصالح المشتركة والرؤية الإستراتيجية الموحدة لمستقبل أكثر استقرارا وأمنا.
ولعل توقيت هذا القرار ، مع اقتراب الذكرى الـ250 للعلاقات الثنائية في عام 2027، يحمل دلالات عميقة حول الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لهذا التحالف، الذي يعتبر من أقدم العلاقات الدبلوماسية في التاريخ الأمريكي.
ومما يزيد من ثقل هذا القرار السياسي هو الدور المحوري الذي لعبه النائب جو ويلسون في صياغته، وهو الذي لطالما عرف بمواقفه الداعمة للمغرب والداعية إلى تصنيف بوليساريو منظمة إرهابية. هذا الأمر يكشف عن تحولات جوهرية في الخطاب السياسي داخل الأوساط الأمريكية تجاه قضايا المنطقة، ويعزز الإعتراف بالدور الذي يضطلع به المغرب كشريك موثوق وحليف إستراتيجي في القارة الإفريقية وخارجها.
ختاما ، إن الإعتراف المتجدد من قبل الكونغرس الأمريكي بخصوصية العلاقة مع المغرب ليس مجرد إجراء رمزي، بل هو ترسيخ لحقيقة جيوسياسية واضحة، هي أن المغرب لم يكن مجرد أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة، بل كان وسيظل حليفا تاريخيا ذا مكانة خاصة في سجل العلاقات الدولية لواشنطن، وشريكا لا غنى عنه في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين وعلى رأسها الإرهاب.
د/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة المحامين بأكادير والعيون
مقبول لدى محكمة النقض.
باحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.