إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف خيوط رعايتها للإرهاب وتهديدها لأمن الساحل وإستقرار إفريقيا
إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف خيوط رعايتها للإرهاب وتهديدها لأمن الساحل وإستقرار إفريقيا

بقلم: ذ/ الحسين بكار السباعي*
يعود من جديد ملف الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي إلى الواجهة، ولكن هذه المرة عبر بوابة إتهام صريح ومباشر من الحكومة الإنتقالية في مالي للنظام العسكري الجزائري، إتهام يأتي عقب إسقاط طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة المالية في منطقة تنزواتين، القريبة من الحدود الجزائرية. التحقيقات أثبتت أن الطائرة لم تغادر الأجواء المالية، مما يؤكد أن تدميرها تم بفعل عدائي من طرف الجزائر، وهو ما إعتبرته مالي عدوانا سافرا، وانتهاكا لسيادتها وعرقلة متعمدة لجهودها العسكرية ضد الجماعات الإرهابية.
باماكو التي سلكت سلسلة من التدابير الحازمة ضد الجزائر، تمثلت في إستدعاء سفيرها للإحتجاج، وإعلان الانسحاب الفوري من لجنة الأركان المشتركة (CEMOC)، فضلا عن التوجه إلى الهيئات الدولية لتقديم شكوى ضد النظام الجزائري بتهمة العدوان. وإجماع تحالف دول الساحل المكون من مالي والنيجر و بوركينا فاسو في بيان رسني إدانتهم لعملية إسقاط الطائرة المسيرة المالية و بأن الجزائر باتت تشكل دعامة خلفية للإرهاب في المنطقة، وذراعا خفية لتغذيته وتأطيره.
الاتهام المالي ليس حديثا في جوهره، بل هو تحصيل حاصل لواقع جيوسياسي قائم منذ سنوات، فالنظام العسكري الجزائري، ومنذ بداية الألفية الثالثة، ظل يضطلع بدور رئيسي في تمويل وتدريب وتسليح الجماعات الإرهابية والانفصالية، خدمة لأجندته التوسعية على حساب جواره الإقليمي. فدعم الجزائر للجماعات المتطرفة في شمال مالي والنيجر وبوركينا فاسو موثق بالأدلة الميدانية ومعطيات الاستخبارات المفتوحة المصدر (OSINT)، والتي تشير تقاريرها إلى وجود أربعة ممرات آمنة على الحدود الجزائرية مع مالي والنيجر، توفر من خلالها الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية الغطاء واللوجستيك للعناصر الإرهابية الناشطة في المنطقة، وتحت إشراف مباشر من جنرالات كبار كعبد العزيز الهوام وعبد النور لعشب ومحمد عجرود، وبمشاركة وحدات متعددة من الجيش الجزائري، كما يتم تنسيق عمليات معقدة تشمل التغطية الجوية والتحركات البرية للعناصر الإرهابية، من خلال مراكز قيادة ورصد متطورة كتلك المتمركزة في تمنراست وبرج باجي مختار. فالمسيرات الجزائرية المنطلقة من قواعدها في حاسي تيريرين توفر دعما جويا لهذه الجماعات، بينما تستعمل تقنيات الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخباراتية لمرافقة تحركاتها عبر المثلث الحدودي المالي-النيجيري-الجزائري.
ومن حيث الرموز هذه الجماعات الإرهابية، فإن زعيم تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، إياد أغ غالي، يعيش تحت حماية مباشرة من الأمن العسكري الجزائري في بلدة تينزواتين، بينما خرج مؤسس فرع “داعش – ولاية الساحل” من رحم مخيمات تندوف التي ترعاها الجزائر. أما عبد الرزاق البارا، القيادي البارز في الجماعة السلفية للدعوة والقتال ، فقد كان ضابطا سابقا في القوات الخاصة الجزائرية، وتولى تنفيذ عمليات إختطاف وتفجير لصالح المخابرات الجزائرية في الساحل والصحراء، ناهيك عن دوره في التنسيق مع التنظيمات الانفصالية والإرهابية، وهو ما يثبت أن الإرهاب في شمال وغرب إفريقيا، كان ولا يزال صنيعة للنظام العسكري الجزائري.
كما أن من بين أبرز هذه الأذرع الإرهابية نذكر عبد المالك دروكدال، القائد السابق لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وخلفه أبو عبيدة العنابي، إضافة إلى المختار بلمختار المعروف بـ”الأعور”، الذي قاد تنظيم “الموقعون بالدم”، وغيرهم من القادة الجزائريين الذين قادوا الجماعات الإرهابية الأشد فتكا في المنطقة. كما لا يمكن إغفال مسؤولية الجزائر في دعم مليشيات البوليساريو الإرهابية و التي تورطت في هجوم دموي أودى بحياة سائق شاحنة مغربي في مالي، فضلا عن ضلوعها في سلسلة عمليات إرهابية استهدفت ليبيا وموريتانيا .
سجل أسود للجزائر، يؤكد للعالم أنها ليست سوى عضو تابع في محور إقليمي أوسع تقوده إيران، ويضم حزب الله اللبناني، والحوثيين، والمليشيات العراقية.
ختاما إن إستمرار النظام العسكري الجزائري في اللعب بالنار، من خلال هندسة بيئة أمنية مضطربة على أطرافه، لن يمر دون ثمن. فملف تصنيف مليشيات البوليساريو كتنظيم إرهابي أصبح مطروحا بجدية على طاولات القرار الدولي، ومعه يقترب اليوم الذي سيعترف فيه بالجزائر كدولة راعية للإرهاب، تهدد السلم الإقليمي والدولي. وحينها، سترسم خريطة جديدة للمنطقة، تنهار فيها مبررات وجود نظام هش، أوهم العالم لعقود بأنه حصن ضد الإرهاب، بينما كان هو من يزرع بذوره ويرويها بدماء الأبرياء.
*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.