مالي ونيجيريا: مركزية الدور المغربي في استراتيجيات الساحل وغرب إفريقيا

الدار/ تحليل
تعد كل من مالي ونيجيريا حجر الزاوية في السياسة الخارجية المغربية تجاه منطقتي الساحل وغرب إفريقيا، حيث تمثلان قلب الاستراتيجية المغربية الهادفة إلى تعزيز الحضور السياسي والاقتصادي في هذه المناطق الحيوية. هذا الدور المحوري أصبح أكثر وضوحًا منذ التعديل الدستوري لعام 2011 الذي أكد على ضرورة تعزيز العلاقات مع دول إفريقيا، خصوصًا تلك الواقعة في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما أدى إلى ترسيخ هذه الدول كأعمدة رئيسية في السياسة المغربية جنوب الصحراء.
وقد تجسد هذا التوجه الاستراتيجي من خلال العديد من المبادرات، أبرزها منتدى كرانس مونتانا الذي انعقد في مدينة الداخلة، والذي قدم للمنطقة رؤية جديدة تحت شعار “الداخلة بوابة إفريقيا”. هذه الرؤية تجاوزت الرمزية لتتحول إلى مشاريع استراتيجية حقيقية تتضمن بناء ميناء الداخلة، وتطوير شبكة ربط بين الساحل والمحيط الأطلسي، بالإضافة إلى مشاريع طاقة استراتيجية مثل أنبوب الغاز. جميع هذه المشاريع تعكس الرغبة المغربية في بناء شراكات اقتصادية عميقة مع محيطها الإفريقي.
إن العلاقة الاستراتيجية بين المغرب ومالي ونيجيريا لا تقتصر على المواقف السياسية المتعلقة بقضية الصحراء الغربية، بل تتجاوزها لتشمل إمكانيات اقتصادية هائلة في مجال الطاقة والمعادن والموارد الطبيعية. فمالياً ونيجيريا تتمتعان بموارد غنية تلائم الاحتياجات الاقتصادية للمغرب وتفتح المجال لتوسيع الاستثمارات والمشروعات الكبرى التي تسهم في استقرار المنطقة.
تاريخياً، تشترك هذه البلدان مع المغرب في روابط عميقة تعود إلى ما قبل الاستعمار، حيث كانت مناطق مثل أزواد في شمال مالي وولاية كانو في نيجيريا تحت النفوذ السياسي والروحي للمغرب. هذا الإرث التاريخي يعزز من موقف المغرب في تعزيز علاقاته مع هذه المناطق، وهو ما يعكس أيضًا مشروعية السياسة المغربية في هذه الرقعة الجغرافية.
ضمن هذا السياق، يبرز خيار الحكم الذاتي في الصحراء الغربية كاستراتيجية لا تهدف فقط إلى تسوية النزاع الإقليمي بل أيضًا إلى بناء تحالفات إقليمية جديدة، وخاصة مع دول مثل موريتانيا. هذا النموذج قد يمثل خطوة نحو بناء تكتلات إقليمية مرنة تدعم التعاون بين الدول الساحلية والمغاربية.
من ناحية أخرى، يشكل مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب نقطة تحول هامة في المنطقة، حيث يعزز الأمن الطاقي لدول الساحل وغرب إفريقيا، ويوفر فرصًا كبيرة لتنمية اقتصادية مستدامة. من خلال دمج الغاز النيجيري والفوسفاط المغربي، يمكن لدول المنطقة أن تحقق اكتفاءً ذاتيًا في مجالات الطاقة والمواد الغذائية، مع تحسين استخدامها للموارد المحلية بدلاً من تصديرها في شكل خام.
أمنياً، يستفيد المغرب من خبراته الطويلة في مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية، مثل تلك التي يواجهها من خلال الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. من خلال تزويد هذه الدول بالخبرات اللازمة، وخاصة في مجال الحروب غير النظامية، يعمل المغرب على تعزيز قدرات الدفاع الإقليمي، وهو ما يساهم في استقرار المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يتعاون المغرب مع دول مثل إسرائيل والهند لتطوير صناعات دفاعية محلية تلائم التحديات الجغرافية والأمنية لهذه المناطق.
وفيما يخص العلاقات الاقتصادية، يعمل المغرب على توسيع نفوذه المالي في المنطقة عبر تطوير شبكة مالية إقليمية تنطلق من الدار البيضاء، التي أصبحت مركزًا ماليًا رئيسيًا في إفريقيا. هذه الشبكة تتضمن بنوكًا وشركات تأمين وأسواق بورصة، مما يعزز مكانة المغرب في الأسواق المالية الإفريقية.
أما على صعيد المنافسة مع الجزائر، يتبنى المغرب نهجًا براغماتيًا لا ينظر إليها كعدو بل كفرصة اقتصادية لتوسيع دائرة التعاون التجاري. في المقابل، تجد الجزائر نفسها في موقف ضعيف على الصعيد الاقتصادي، إذ تفتقر إلى البنية التحتية المالية التي تمكنها من التوسع في إفريقيا.
وفي هذا الإطار، تعد زيارة وزير خارجية مالي إلى المغرب خطوة هامة نحو تعزيز التعاون بين دول الساحل بعيدًا عن التأثيرات التقليدية. هذه الزيارة تحمل رمزية قوية تشير إلى رغبة مالي ودول الساحل في التوجه نحو بناء تحالفات استراتيجية جديدة مع المغرب، بعيدًا عن الهيمنة القديمة.