السياحة الريفية في الصين… هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة

الدار/ تقارير
في مشهد غير مألوف لسنوات طويلة، بدأت القرى الصينية تسطع على خريطة السياحة المحلية والدولية، بعدما كانت مدن مثل بكين وشنغهاي تحتكر الأضواء. اليوم، يجد سكان المدن المزدحمة في أجواء الريف الهادئة متنفسًا حقيقيًا من ضغوط الحياة اليومية، في وقت تتطور فيه السياحة الريفية لتصبح محركًا رئيسيًا لنهضة الأرياف الصينية.
في بلدة سانوان الواقعة في مقاطعة جيانغشي، تسحر الطبيعة الزوار بنهرها الصافي، وغابات الخيزران، وأسلوب الحياة القروي البسيط. هذه المشاهد البديعة أصبحت تجذب السياح الباحثين عن الصفاء، بعيدًا عن زحام المدن والمواقع السياحية المألوفة. تقول شياو شينغ، وهي صاحبة نُزُل عائلي، إن العديد من الزوار لم يعودوا مهتمين بـ”صور إنستغرام” الشهيرة، بل يأتون للاستمتاع بالهدوء والمشي وسط الطبيعة برفقة أحبائهم.
ومع حلول عطلة عيد العمال، شهدت السياحة الريفية إقبالًا غير مسبوق، حيث أشار خبراء من معهد “تريب” للأبحاث إلى أن ما يسمى بـ”السياحة العكسية” نحو القرى والمناطق الأقل شهرة يخفف الضغط عن المواقع التقليدية، ويمنح الزوار تجارب أكثر تنوعًا وهدوءًا.
مدينة جيآن، التي تضم بلدة سانوان، أصبحت نموذجًا لهذا التحول، إذ أنشأت خلال السنوات الأخيرة أكثر من 200 قرية نموذجية و30 ألف ساحة ريفية جذابة، و150 موقعًا مصنفًا سياحيًا على مستوى المقاطعة.
الأرقام الرسمية تؤكد هذا الانتعاش؛ فخلال الربع الأول من العام الجاري، استقبلت القرى الصينية أكثر من 700 مليون زيارة، محققة عائدات تجاوزت 412 مليار يوان، بزيادة فاقت 8% مقارنة بالعام الماضي.
اللافت أن هذا التوجه لم يعد مقتصرًا على السياح المحليين، بل إن قرى مثل “دونغشنغ” في بلدية تشونغتشينغ أصبحت وجهة مفضلة أيضًا للزوار الأجانب، بفضل تسهيلات التأشيرة وسياسة الـ240 ساعة دون تأشيرة. الزائرة الفيتنامية نغوين ماي آنه، التي زارت إحدى مزارع الفراولة، عبّرت عن دهشتها من الراحة والبساطة التي وجدتها في القرية، مشيرة إلى التوازن بين الحداثة والطبيعة.
في الوقت ذاته، تشهد قرى أخرى مثل “ياكو” في مقاطعة غوانغدونغ زيارات متكررة من محبين للسياحة الريفية، مثل الأسترالي جيري غراي البالغ من العمر 67 عامًا، والذي يزور المنطقة سنويًا لاكتشاف تفاصيل جديدة عن الحياة الريفية.
الاعتراف الدولي أيضًا لم يتأخر، حيث حازت سبع قرى صينية على لقب “أفضل القرى السياحية” لعام 2024 من منظمة السياحة العالمية، ليصل إجمالي القرى الصينية الفائزة إلى 15، ما يعكس تنوعها الجغرافي والثقافي وتطورها السريع.
تُعد قرية “قويتشو” في مقاطعة غوانغدونغ أحد أبرز أمثلة التحول، فبعد أن كانت تعاني من العزلة والفقر، تحولت إلى مقصد سياحي نشط بفضل استثمارات ضخمة تجاوزت 10 ملايين يوان. الطرق المعبدة والمرافق الحديثة غيرت المشهد تمامًا، ورفعت دخل القرية الجماعي من أقل من 175 ألف يوان في 2021 إلى أكثر من 850 ألف يوان في 2024.
ويؤكد خبراء مثل ليو لي من جامعة الدراسات الدولية بجيلين، أن تطوير البنية التحتية القروية ساهم كثيرًا في تعزيز جاذبية القرى. كما أن انخراط مختصين في إدارة السياحة أعطى دفعة قوية لنوعية الخدمات والتجارب المقدمة.
يتفق المحللون على أن السياحة الريفية في الصين تتجه نحو مزيد من الاحتراف والنمو، مدفوعة بسياسات داعمة، وطلب متزايد، ورغبة متجددة في العودة إلى الجذور. ومع دمج التكنولوجيا، والحفاظ على التراث، والتنمية البيئية، يبدو أن الريف الصيني مرشّح لأن يصبح مستقبل السياحة المستدامة في البلاد.