أخبار دوليةسلايدر

الجزائر بين توتر السيادة ومأزق الاصطفاف الفرنسي مع المغرب أو حين تستغل الأعراف الدبلوماسية كسلاح سياسي.

في خطوة وصفت بالتصعيدية وغير المسبوقة، طالبت الجزائر اليوم 11 ماي 2025، بترحيل فوري لموظفين دبلوماسيين فرنسيين تم تعيينهم، “في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها” في العمل الديبلوماسي. وقد إستندت الجزائر في موقفها هذا إلى مقتضيات إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، معتبرة أن تجاوز الجانب الفرنسي لمساطر الإعتماد يشكل إخلالا بالأعراف الدولية، وتعديا على السيادة الوطنية.

غير أن القراءة المتأنية لهذا القرار، وما رافقه من لهجة صارمة ومشحونة من قبل الخارجية الجزائرية، تفضي إلى ما هو أعمق من مجرد انتهاك بروتوكولي، لتلامس صميم التوازنات الجيوسياسية الجديدة التي أرخت بظلالها على العلاقات الجزائرية- الفرنسية، وجعلت من قضية الصحراء المغربية مفتاحا لفهم طبيعة التوتر المتفاقم والمتزايد بين البلدين.
فمنذ أن بادرت باريس إلى تعزيز تعاونها الإستراتيجي مع الرباط، وتكثيف زيارات مسؤوليها الحكوميين إلى مدن الصحراء المغربية، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية، ثم وزير الاقتصاد، وما أعقب ذلك من إهتمام غير مسبوق من قبل كبريات الشركات الفرنسية بالاستثمار في أقاليم الصحراء المغربية، بدا واضحا للعالم أن بوصلة باريس قد حسمت أمرها، واصطفت إلى جانب الطرح المغربي، ضاربة عرض الحائط بمناورات الجزائر ومناوشاتها البائسة في كل المحافل الدولية.
إن سلوك الجزائر المتوتر والمتكرر تجاه فرنسا، والذي سبقته عملية إستدعاء السفراء وتجميد التعاون الثقافي والأمني، يكشف عمق الإرتباك الإستراتيجي الذي تعانيه الدبلوماسية الجزائرية، والتي فشلت في الحفاظ على ما كانت تعده “توازنا تقليديا” في علاقة باريس بالنزاع المفتعل حول الصحراء، ووجدت نفسها أمام حقيقة جيوسياسية جديدة تتأسس على منطق المصالح والتكامل، لا على حسابات أيديولوجية بائدة و شعارات مؤدلجة.

فإن كان من المشروع لكل دولة وحسب قواعد القانون الدولي، أن ترفض أي إختراق لسيادتها أو تجاوز لأعراف الإعتماد الدبلوماسي، فإن تحويل هذا الرفض إلى سلاح إنتقامي في مواجهة المواقف السيادية لدولة أخرى تجاه قضية لا تعنيها، يعكس انزلاقا خطيرا في منطق التقدير السياسي، ويفضح قصر النظر في قراءة التحولات الدولية.
القرار الجزائري والذي ينذر بمزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وهو ما قد يفضي إلى شلل في التمثيل القنصلي، وعرقلة التعاون الأمني والإقتصادي، في وقت يحتاج فيه الشركاء الإقليميون إلى قدر من الإستقرار والتنسيق المشترك لمواجهة تحديات كبرى، كالهجرة غير النظامية والإرهاب والتغيرات المناخية.
كما أن هذا التصعيد يضع الدبلوماسية الجزائرية في مواجهة إنتقادات دولية صامتة، ترى في هذا السلوك استغلالا سياسويا لأدوات القانون الدولي وقواعد العمل الديبلوماسي، ومؤشرا على تآكل هامش المناورة أمام سلطة لم تعد قادرة على مجاراة الديناميات الجديدة التي يشهدها الفضاء المغاربي.
الظاهر أن الجزائر إختارت، كما سابقة المرات ، تغليف إخفاقاتها السياسية بغلاف السيادة القانونية، مستندة إلى نصوص دولية أفرغت من مضمونها بفعل التوظيف الإنتقائي والإنتقامي ، أما الحقيقة فتكمن في خشيتها من عزلة دبلوماسية آخذة في الاتساع، ومن فقدان الحلفاء التقليديين في وقت يواصل فيه المغرب حصد ثمار دبلوماسيته الهادئة، ومد جسور الشراكة مع القوى المؤثرة، و في مقدمها فرنسا.

ختاما ، ليست السيادة هنا سوى غطاء لسوء التقدير، وليست الأعراف الدبلوماسية إلا أداة في معركة خاسرة، لا تنتصر فيها الشعارات، بل تتحكم فيها الرؤية، والشرعية والواقعية السياسية .

ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى