أخبار دوليةسلايدر

اللغة الصينية تفتح آفاقًا جديدة.. قصص نجاح

الدار/ تقارير

في قلب مدينة بورواكرتو الواقعة بمقاطعة جاوا الوسطى بإندونيسيا، يتردد صدى نغمات الشعر الصيني في صباح مشرق داخل فصول مدرسة “بوتيرا هارابان”، المعروفة محليًا باسم “مدرسة بوهوا” ثلاثية اللغات. لكن الأمر في هذه المدرسة يتجاوز تعلم لغة أجنبية، فهو يشكّل نافذة مفتوحة على مستقبل واعد وآفاق عالمية رحبة.

منذ تأسيسها عام 1906 بمبادرة من الجالية الصينية المحلية، تطورت المدرسة لتصبح مؤسسة تعليمية دولية مرموقة، معتمدة رسميًا من وزارة التعليم الإندونيسية. وتحتضن اليوم أكثر من 950 تلميذًا من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية، وتضم طاقمًا تدريسيًا يشمل 24 معلمًا من الصين. وتتميز المدرسة ببرنامج تعليمي متكامل تُدرّس فيه اللغة الصينية ابتداءً من الروضة، حيث يشكل المحتوى الصيني نصف الحصص الدراسية، ويتلقى جميع الطلبة ما لا يقل عن عشر حصص أسبوعية باللغة الصينية.

وتؤكد مديرة قسم اللغة الصينية بالمدرسة، لو شياو تشيان، أن تعليم الصينية لم يعد مجرد نشاط إضافي بل أصبح ركيزة أساسية في المنظومة التربوية. تقول: “حين وصلت قبل عشرين عامًا، كان معظم طلابنا من أصول صينية، أما اليوم فحوالي 35% من الطلاب من خلفيات غير صينية، ما يعكس تحولًا كبيرًا في وعي أولياء الأمور بأهمية هذه اللغة لمستقبل أبنائهم”.

إلى جانب تعليم اللغة، تقدم المدرسة باقة من الأنشطة الثقافية والفنية كالرسم بالريشة الصينية، والرقص التقليدي، وفنون الدفاع عن النفس، والشطرنج الصيني (شيانغ تشي)، والكتابة بالخط، مما يتيح للطلبة التفاعل مع الثقافة الصينية بشكل عملي وحيوي.

وتأتي هذه الدينامية التعليمية في وقت تشهد فيه العلاقات الصينية-الإندونيسية ازدهارًا متزايدًا ضمن مبادرة الحزام والطريق، لا سيما في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي. وهذا ما جعل من اللغة الصينية “رصيدًا مهنيًا” ذا قيمة متزايدة في سوق العمل الإندونيسي.

أوبسي إميليا بوتري، معلمة محلية درست في الصين وتتابع حاليًا دراستها العليا في مجال تعليم الصينية، أكدت أن إتقانها للغة فتح أمامها أبواب عمل مرموقة وفرصًا تعليمية مميزة. وأضافت: “مع تزايد الاستثمارات الصينية في بلادنا، أصبحت الحاجة إلى الكفاءات المحلية الناطقة بالصينية أكبر من أي وقت مضى”.

من جهتها، اختارت الأستاذة نورييني كارتيكا بنتارساري، رئيسة قسم العلاقات الدولية في جامعة الجنرال سوديرمان، تسجيل ابنتها في مدرسة بوهوا باعتباره قرارًا استراتيجيًا. وأوضحت: “الصين قوة عالمية وشريك استراتيجي لأسيان. نحن بحاجة إلى جيل يفهم الصين ويتحدث لغتها بثقة”. وأضافت أن طموحها أن تدرس ابنتها لاحقًا في الصين وتصبح همزة وصل في تعزيز العلاقات الثنائية.

أما أوليفيتي ستيفي سالونغا، الطالبة المتفوقة التي تُعرف باسمها الصيني “تشانغ زي يي”، فقد فازت بمسابقة “جسر اللغة الصينية” على مستوى جاوا الوسطى عام 2024، وتم قبولها في جامعة تسينغهوا المرموقة. تقول: “بفضل اللغة الصينية، أتمكن الآن من متابعة الدراما الصينية دون ترجمة، وأستخدم التطبيقات الصينية بسهولة. حلمي أن أدرس العمارة في تسينغهوا، حيث يجمع التصميم الصيني بين الدقة والجمال، كما في المدينة المحرمة التي أعتبرها مصدر إلهام فني”.

قصص النجاح مثل قصة أوليفيتي تتكرر في مدرسة بوهوا، حيث التحق العديد من خريجيها بجامعات صينية مرموقة مثل فودان وشيامن، أو عادوا لتعليم الأجيال الجديدة.

وفي خطوة نوعية تعزز هذا التوجه، أنشأت المدرسة مطلع عام 2025 أول فصل كونفوشيوس في إندونيسيا داخل مدرسة ثانوية، بالتعاون مع جامعة باودينغ ومجموعة باودينغ للتعليم الثانوي. وتقدم هذه المبادرة موارد تعليمية منظمة وتدريبات خاصة، كما تدعم دمج اللغة الصينية مع المهارات المهنية ضمن المنهج الدراسي.

وفي كلمات تحمل رؤية مستقبلية، قال مدير المدرسة تشين تاو: “تعلم اللغة الصينية يشبه امتلاك مفتاح لعالم أوسع. ومع تسارع نمو الصين، بات لدينا ثقة أكبر في نشر تعليمها هنا”.

هكذا، تتحول اللغة الصينية في مدينة بورواكرتو من مجرد أداة للتواصل إلى جسر حضاري يعبر عليه جيل جديد من الطلاب الطامحين إلى مستقبل عالمي أكثر إشراقًا.

زر الذهاب إلى الأعلى