سوريا تغلق مقرات البوليساريو بدمشق و تحول إستراتيجي يعمق عزلة الجزائر الدولية.
سوريا تغلق مقرات البوليساريو بدمشق و تحول إستراتيجي يعمق عزلة الجزائر الدولية.

بقلم ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية.
شكل إعلان السلطات السورية عن إغلاق مقرات مرتزقه بوليساريو في دمشق بحضور ممثلين رسميين عن المغرب ، تحولا دبلوماسيا لافتا يعكس إتجاها متزايدا نحو إعادة تموضع سوريا في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وتخلصها التدريجي من الإرث الإيديولوجي الذي كان يربطها بمحور الجزائر- إيران . فبعد سنوات من الصمت المريب إزاء النشاط الخفي لعناصر بوليساريو داخل الأراضي السورية بتأطير وإشراف من ضباط جزائريين ، كشف تقارير إستخباراتية موثقة مشاركتهم في القتال إلى جانب قوات موالية لنظام بشار البائد في مراحل مختلفة من الحرب السورية .و يأتي هذا القرار ليقطع مع تلك المرحلة، ويؤشر على بداية إنفتاح جاد بين دمشق والرباط ،وفي سياق إقليمي يتجه نحو تجاوز الاصطفافات القديمة.
تحول لا يمكن عزله عن التحركات المغربية الحثيثة في السنوات الأخيرة لتعزيز حضورها الدبلوماسي في الشرق الأوسط، وإستثمارها لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، من أجل فتح قنوات تواصل واقعية بعيدة عن الإستقطاب الإيديولوجي الذي طبع الموقف السوري من قضية الصحراء. فإغلاق مقرات بوليساريو، في هذا التوقيت الزمني بالذات، يعد ضربة موجعة للجزائر التي حرصت لعقود على إستخدام دمشق كموطئ قدم لدعم صنيعتها الإنفصالية، وأن تجعل من الرهان على الممانعة الشرق أوسطية كورقة ضغط ضد المغرب إلى مجرد وهم يتبدد تباعا.
بالنسبة لجبهة بوليساريو، فإن الحدث يأتي ليكرس مسار إنحسارها المتسارع في الساحة الدولية، بعد أن أصبحت صور عناصرها مرتبطة بشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود والإرهاب في الساحل والغرب الإفريقي، كمادة للاشتباه الأمني والإستخباراتي.
فإغلاق المقرات بدمشق ليس فقط إجراء دبلوماسيا، بل هو أيضا خطوة أمنية إستباقية من طرف سوريا لتحصين فضائها الداخلي من تغلغل عناصر ملوثة بسجل العنف والجريمة ضد الإنسانية والإرهاب ، ولإرسال رسائل طمأنة للفاعلين الإقليميين والدوليين بشأن جدية إنخراطها في مناخ الاستقرار والإنفتاح.
ختاما المغرب الذي كسب بهذا التطور نقطة مهمة في معركة الشرعية الإقليمية، أمام الجزائر التي تقف اليوم أمام نكسة دبلوماسية جديدة وغير مسبوقة، بفقدان آخر معاقلها بالشرق ، و فقدان قدرتها على تعبئة الدعم لأكدوبة سرعان ما إنكشفت للعالم ، الأمر الذي زاد من عزلتها داخل محيط إقليمي ودولي بدأ يدرك أن المصلحة الجماعية تكمن في دعم السيادة المغربية، لا في إحياء مشاريع إنفصالية ذات امتدادات أمنية مشبوهة .