أخبار الدار

كتائب إخوان تونس تتخذ من غياب الملك عن جنازة السبسي مطية لإطلاق دعوات كراهية بين الشعبين

الدار

في يونيو 2014 خطف الملك محمد السادس قلوب التونسيين عندما زار البلاد وتجول في أرجائها ومعالمها السياحية بعيدا عن البروتوكولات والمواكب الرسمية تشجيعا للسياحة التونسية ودعما لسمعة الأمن والأمان الذي تنعم به في مرحلة أعقبت أحداثا إرهابية ومحاولة اغتيال نجا منها وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو آنذاك. وحظيت المبادرة الملكية حينها بمتابعة واهتمام كبيرين من طرف الرأي العام التونسي. وملأت صور العاهل المغربي العديد من الجرائد الورقية والمواقع الإلكترونية وصفحات الفايسبوك في تونس، حيث كان يظهر كل يوم في صور عديدة وبـ"لوك" جديد ومتغير مع مواطنين تونسيين، وإلى جانب مغاربة تونس أيضا.

كانت هذه اللحظة الاستثنائية تأكيدا للعلاقة المغربية التونسية المتميزة التي استطاعت على مدى عقود البقاء في أعلى مستويات التطبيع والتنسيق بعيدا عن كل ما يكدرها من تداعيات الصراعات الإقليمية والعربية. لكن هذه العلاقات مرت وتمر في الآونة الأخيرة بسحابة صيف ترتبت عنها لحظات من الجدل التي يبدو أن الهدف من ورائها هو تعميق خلافات بسيطة أو سوء فهم وتحويله إلى أزمة دبلوماسية وسياسية.

بدأ هذا النفخ في الرماد مع الأزمة التي أثارها نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية بين فريقي الوداد البيضاوي ونادي الترجي الرياضي عندما تعالت بعض الأصوات المجنونة من أجل تحويل النتائج المترتبة عن مباراة في كرة القدم إلى أزمة دبلوماسية وتوتير العلاقات بين البلدين.

لكن سرعان ما تم  تجاوز هذا الفخ عندما عبرت أصوات عاقلة عن موقفها الرصين وسادت في منتديات التواصل الاجتماعي دعوات التآزر والتكاثف وعدم السماح لمباراة في كرة القدم بالتأثير على إرث تاريخي من التبادل الحضاري والقومي العريق.

لكن يبدو أن ما كان رمادا في مباراة كرة القدم المذكورة يسعى البعض إلى تحويله إلى جمرة متقدة ونار تحرق ذلك التاريخ المشترك بين تونس والرباط. هذه المرة كان الحدث جللا فاستغل البعض جنازة الرئيس التونسي الباجي قايد سبسي لتحميلها أبعادا سياسية ودبلوماسية تعتبر من باب المبالغة والسعي بالوقيعة بين البلدين. وفي هذا السياق استغرب بعض التونسيين من غياب الملك محمد السادس عن جنازة الرئيس الباجي قايد سبسي. وركب البعض وخصوصا من كتائب حزب النهضة الإسلامي على هذه المسألة واتخذها مطية لإطلاق دعوات  كراهية  بين الشعبين وصلت إلى حد المطالبة بتغيير اسم شارع محمد الخامس في تونس،  بل منها من ذهب ابعد من ذلك. ويرمز هذا الشارع إلى عمق وتجذر العلاقات التاريخية بين البلدين حيث سمي الشارع باسم العاهل المغربي محمد الخامس لدى زيارته لتونس عام 1957.

ولم يستحضر دعاة هذه الأزمة الزيارة الملكية لتونس في 2014 التي تعتبر أكبر دليل على أن الأمر لا يتعلق بموقف مسبق من العاهل المغربي وإنما بتقاليد علوية راسخة حيث تكرست منذ قرن من الزمان قاعدة غياب ملوك المغرب عن الجنازات والأعراس. ويتعلق الأمر بعادات متوارثة أصبحت جزءا من التقليد الملكي. كما أن كل الجنازات التي لم يتغيب عنها الحضور المغربي كانت تتجاوز المستوى السياسي والدبلوماسي إلى مستوى عائلي بين الأسر الحاكمة في البلدان. وفِي كل هذه الجنازات كان يحضر الأمير مولاي رشيد الذي مثل الملك محمد السادس في جنازة الرئيس سبسي، وهو أمر سبق أن صرح به الملك محمد السادس نفسه عام 2005 في حديث لصحيفة إلباييس الاسبانية.

ومن المؤكد بعد هذه الزوبعة الجديدة المثارة على هامش جنازة الرئيس السبسي أن الكيد للعلاقات المغربية التونسية يجري على قدم وساق لأغراض قد تكشفها الأيام المقبلة. ولم يخف بعض الفاعلين والنشطاء التونسيين في وقت سابق متابعتهم للانفتاح المغربي القوي على إفريقيا ونسجه لشبكة علاقات قوية على مستوى القارة السمراء تصطدم أحيانا ببعض المصالح الاقتصادية الضيقة لتونس. غير أن هذه الزوبعة لن تعدو أن تكون سحابة صيف لن تصمد في وجه جدار العلاقات التاريخية المتجذرة بين البلدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى