إقالات متسارعة وغياب الرئيس.. من يحكم الجزائر فعليًا؟
إقالات متسارعة وغياب الرئيس.. من يحكم الجزائر فعليًا؟

الدار/ إيمان العلوي
تعيش الجزائر منذ أيام على وقع زلزال سياسي جديد عقب القرار المفاجئ للرئيس عبد المجيد تبون بإقالة الوزير الأول نذير العرباوي وتعيين سيفي غريب رئيسًا للوزراء بالنيابة. هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام، إذ جاءت في ظرف سياسي واجتماعي متوتر، وفي ظل استمرار غياب تبون عن المشهد العلني منذ أسابيع، مكتفيًا بظهور باهت عبر بيانات رسمية وصور أرشيفية تبثها القنوات العمومية
الإقالة، في ظاهرها، رُبطت بفاجعة وادي الحراش التي أودت بحياة 18 شخصًا، حيث حمّلت الرئاسة الحكومة المسؤولية السياسية. غير أن العديد من المتابعين رأوا في الأمر محاولة لتقديم كبش فداء يخفف الضغط عن السلطة، خصوصًا وأن الأسباب الحقيقية تبدو مرتبطة أكثر بصراعات داخلية داخل هرم النظام وبغياب الانسجام بين الرئاسة والحكومة.
منذ انتخاب تبون في 2019، تعاقب على رئاسة الحكومة أربعة وزراء أولين في ظرف خمس سنوات فقط: عبد العزيز جراد (2019)، أيمن بن عبد الرحمان (2021)، نذير العرباوي (2023)، وأخيرًا سيفي غريب في 2025. مدة كل واحد منهم لم تتجاوز عامًا ونصف في المتوسط، وهي وتيرة توحي بـ غياب الاستقرار السياسي وتكرّس صورة السلطة كمنظومة تعالج أزماتها عبر تغييرات شكلية أكثر منها إصلاحات حقيقية.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان سنوات حكم عبد العزيز بوتفليقة، حيث كان تغيير رؤساء الحكومات أداة لامتصاص الغضب الشعبي أو تجاوز أزمات داخلية، من دون أن يمس ذلك بجوهر النظام. والنتيجة أن السلطة التنفيذية بدت دومًا ضعيفة، رهينة لتوازنات فوقية، ومجرد أداة لتصريف قرارات تُتخذ في أماكن أخرى.
في الشارع الجزائري، تزايدت التساؤلات حول الغياب المثير للرئيس، خاصة مع اعتماد التلفزيون الرسمي على صور قديمة وفيديوهات أرشيفية لطمأنة الرأي العام. البعض يربط هذا الغياب بأسباب صحية، بينما يرى آخرون أن الأمر يعكس عجز الرئاسة عن ممارسة صلاحياتها كاملة في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية.
الإعلام الدولي لم يفوّت بدوره هذا التطور. صحف فرنسية وإسبانية اعتبرت أن تبون يسير على خطى سلفه بوتفليقة في “الحكم من وراء الستار”، بينما سلطت تحليلات أخرى الضوء على هشاشة النظام التنفيذي الجزائري الذي يبدل رؤساء الوزراء بوتيرة غير مسبوقة، ما يضر بصورة البلاد خارجيًا ويؤثر على مناخ الاستثمار والشراكات الاقتصادية.
الملاحَظ أن أياً من هذه الإقالات لم يغير شيئًا في بنية الحكم. فالمعادلة الجوهرية تبقى على حالها: القرار السياسي الحقيقي بيد المؤسسة العسكرية التي تملك مفاتيح اللعبة وتحدد الخطوط العريضة لسياسات الدولة. أما الرئيس، فدوره يتراوح بين واجهة بروتوكولية ووسيط بين مراكز القوى.
هذا ما يفسر أن تغيير الوزراء الأولين لم يقدّم حلولًا للأزمات الاقتصادية العميقة، من بطالة الشباب إلى الاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز، بل زاد من حدة الشعور الشعبي بأن النظام يعيد إنتاج نفسه بالأدوات ذاتها.
إقالة العرباوي لم تكن مجرد حدث سياسي عابر، بل مؤشرًا جديدًا على أزمة بنيوية تعصف بالمؤسسات الجزائرية. أزمة تتجلى في رئيس غائب، حكومات قصيرة العمر، ومؤسسة عسكرية تظل الممسك الحقيقي بخيوط الحكم. وبينما يحاول النظام تهدئة الساحة بقرارات شكلية، يبقى السؤال الجوهري مطروحًا بإلحاح: من يحكم الجزائر فعلًا؟ وهل يمكن أن يستمر هذا النمط من الحكم دون انفجار جديد في الشارع؟