
بقلم/ذ/ الحسين بكار السباعي
ليس الوتد في الثقافة الحسانية مجرد قطعة حديد تغرس في الأرض لتثبيت الخيمة، بل هو رمز عميق الدلالة يرتبط بالوجود الصحراوي ونمط العيش البدوي. فالخيمة الحسانية، بإعتبارها بيت الرحل ومركز الحياة الإجتماعية، لا تقوم إلا على أوتادها، وفي مقدمتها “وتد الركيزة” الذي يمثل أساس الخيمة وضمان ثباتها في وجه الرياح والعواصف. ومن هنا، غدا الوتد في المخيال الحساني مجازا عن الثبات والإستقرار وسط بيئة متحركة، وعن الرابط الجامع بين التحول والدوام.
فالوتد في هذا التصور يشبه رب الأسرة وعمود العائلة، الذي يجمع الشمل ويمنع التشتت، لذلك يقال في الأمثال الحسانية: “البيت بلا وتد ما يبات”، أي أن الجماعة من دون سند أو قائد تضيع. وهو في الآن ذاته حامل لبعد إجتماعي، إذ إن الأوتاد تختلف أدوارها بين تثبيت الأركان وشد الأطناب، بما يعكس صورة البنية الإجتماعية المتكاملة، حيث لكل فرد دور في ضمان إستقرار الجماعة. وهكذا صار الوتد في الثقافة الحسانية رمزا للبيت والإنسان والوجود، ومرآة للعلاقة وبين الفرد والجماعة، وبين الثبات والتحول.
وفي المشهد السياسي المغربي، نجد النظام الملكي ،ذلك الوتد الصامد والجامع الذي يشد خيمة الأمة المغربية عبر القرون، والذي حافظ على تماسكها في وجه العواصف الداخلية والخارجية. فالملكية بالمغرب ليست مؤسسة سياسية طارئة، بل هي الإمداد التاريخي الذي ضمن إستمرارية الدولة ووحدة الوطن، كما يضمن الوتد إستقامة الخيمة في مواجهة قسوة الطبيعة. وكما يشبه الوتد برب الأسرة في الثقافة الحسانية، فإن الملك، بصفته أمير المؤمنين، هو المرجع الذي يضبط توازن المجتمع ويؤطر مختلف مكوناته.
و لا يمكن أن نغفل أن إقتلاع الوتد، في المخيال الحساني،يعني تفكيك الخيمة وضياع الجماعة، وهذا ما ينطبق سياسيا على المغرب، إذ أن المساس بالملكية أو إستهدافها ليس مجرد خلاف سياسي، بل تهديد للكيان الوطني ذاته، وهو ما وعاه المغاربة جيدا في لحظات مفصلية من تاريخهم. ويكفي أن نستحضر مرحلة نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، وأسرته العلوية من طرف الإستعمار الفرنسي، وما أعقبها من انبثاق ثورة الملك والشعب، لتتجلى لنا حقيقة هذا الإرتباط العضوي بين الأمة وعرشها.
فالملكيةهي الوتد الأكبر، الذي يشد أطناب الخيمة الوطنية ويجمع في وحدتها المتينة كل مكوناتها من أمازيغ وعرب وحسانيون وعبريون ومن أصوص إفريقية وأندلسية.نعم الملكية بالمغرب ليست مجرد وتد جامد، بل وتد حي يواكب التحولات، كما ينتقل الوتد مع الخيمة في ترحالها، فيظل حاضرا في كل مرحلة من التاريخ الوطني، ضامنا للإستمرارية وسط سياقات جيوسياسية متغيرة.
ختاما، النظام الملكي في المغرب هو الوتد الرمزي للأمة، الذي تستقيم به الخيمة المغربية وتثبت في وجه كل العواصف والأزمات ، ومع كل تحديات الحاضر وتطلعات المستقبل، فالملكية ستبقى دوما ذلك الوتد الجامع و الضامن لوحدة الوطن ومناعته، والركيزة التي تحميه من رياح التشرذم والإنقسام .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية