سلايدرمغرب

المغرب بين مركزية الثروة وهامش التنمية،جهة سوس ماسة أنموذجا.

كشف تقرير المندوبية السامية للتخطيط عن مشهد إقتصادي وإجتماعي يتسم بمركزية خانقة، حيث تستحوذ ثلاث جهات فقط على ما يقارب ثلثي الثروة الوطنية، بينما تبقى باقي الجهات خارج الدورة التنموية مكتفية بدور الهامش. هذا التفاوت الذي تجسد في إرتفاع الفارق بين متوسط الناتج الداخلي الإجمالي الجهوي من 73,3 مليار درهم سنة 2022 إلى 83,1 مليار درهم سنة 2023، ليس مجرد رقم إقتصادي ، بل هو مرآة لخلل عميق في السياسات العمومية وتوزيع فرص التنمية، الأمر الذي يجعل خطاب العدالة المجالية أقرب إلى مجرد شعار منه إلى واقع ملموس.

فإذا كان هذا الإختلال يطبع الخريطة الوطنية عموما، فإن جهة سوس ماسة تمثل المثال الأوضح على مفارقة التنمية بالمغرب، والتي كانت لعقود قطبا رائدا في الفلاحة والسياحة والصيد البحري، لكنها لم تحقق سنة 2023 سوى نمو هزيل لا يتجاوز 1%، وكأنها فقدت تدريجيا زخمها التاريخي. فعلى مستوى السياحة، لم تستطع أكادير وباقي مناطق الجهة أن تواكب دينامية مراكش أو طنجة، بسبب محدودية العرض وضعف البنيات التحتية الإستراتيجية، سواء في النقل الجوي و تعثر مشروع السكة الحديدية. أما الفلاحة فقد نالت منها ندرة المياه وتوالي سنوات الجفاف، في ظل عجز السياسات المحلية عن مواكبة تحديات الاستدامة والتجديد التكنولوجي رغم محاولة الدفع بمشروع تحلية مياه البحر الذي جاد لاكادير بمحطة واحدة. وبالنسبة لقطاع الصيد البحري، الذي ظل من ركائز الجهة، فقد ظل يعاني من استنزاف بعض المصايد ومن غياب تثمين حقيقي عبر الصناعات التحويلية التي ترفع القيمة المضافة.
غير أن المسؤولية لا تقع فقط على العوامل الطبيعية أو الدورات الإقتصادية، بل على ضعف خبرة و حنكة التدبير الجهوي وعجز النخب المنتخبة عن تحويل المؤهلات إلى مشاريع إستراتيجية كبرى تجذب الإستثمار العمومي والخاص. وهنا تتضح المفارقة الكبرى، ففي الوقت الذي تفضح فيه تقارير رسمية هذا الواقع وتكشف إتساع الهوة بين الجهات، نجد المذكرات الإستشارية التي رفعتها بعض الأحزاب السياسية ومنها التي على رأس تسيير جهة سوس ماسة، غارقة في إنشائيات إنتخابية، وتكتفي بعموميات ووعود فضفاضة لا ترقى إلى مستوى الجواب الحقيقي عن التحديات المطروحة. فبدل الإنكباب على معالجة مكامن الخلل في النموذج الجهوي وربط التنمية بالاستثمار المنتج، ظلت هذه المذكرات أسيرة الحسابات السياسوية والمطالب التقنية، محاولة منها تحسين موقعها الإنتخابي في أفق 2026 أكثر مما تسعى إلى تقديم رؤية بديلة.
إن هذه المفارقة تكشف هشاشة الرؤية الحزبية وضعف التفاعل السياسي مع المعطيات الإقتصادية الصلبة، حيث تتعامل النخب الحزبية مع التقارير الرسمية باعتبارها مادة ظرفية للإستهلاك، لا كأرضية لصياغة سياسات عمومية ملزمة. بينما المطلوب اليوم أن تتحول هذه التقارير إلى مرتكز للمساءلة والتعاقد السياسي، يجبر الأحزاب على صياغة مشاريع واضحة ومقنعة تعالج الإختلالات المجالية وتضع العدالة الترابية في قلب المشروع التنموي.

ختاما، إن المغرب يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، فإما أن يظل أسير مركزية تبتلع ثرواته وتعمق فوارقه المجالية، وإما أن يتجه نحو تعاقد وطني جديد يجعل من العدالة المجالية جوهر التنمية، ومن الفعل الحزبي قوة إقتراحية فعلية، لا مجرد عابر إنتخابي. وفي هذا السياق، تظل جهة سوس ماسة بثرائها الطبيعي والبشري امتحانا حقيقيا لمدى قدرة النخب المحلية والوطنية على ترجمة الأرقام إلى إختيارات شجاعة تعيد الإعتبار للهامش وتكسر مركزية الثروة.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى