هكذا هو حالنا: حكاية القاربين… أو كيف نغرق ونحن نصرّ على القيادة!

بقلم: محمد الحبيب هويدي
يحكى – والعهدة على الراوي – أن سباقًا أقيم بين قاربين: أحدهما ياباني، والآخر عربي. كلا القاربين كان يحمل على متنه تسعة أشخاص.
في الجولة الأولى، انطلق الفريقان في المسابقة، وسرعان ما اتضح الفرق:
فالفريق الياباني فاز بفارق رهيب لا يُستهان به.
وعندما تم تحليل النتيجة، وُجد أن الفريق الياباني يتكوّن من قائد واحد وثمانية مجدفين،
بينما الفريق العربي جاء بتشكيلة عجيبة: ثمانية قادة ومجدف وحيد!
قيل وقتها إن الخلل واضح، فتم تعديل الفريق العربي في الجولة الثانية.
قرروا “الاقتداء باليابانيين”، فجعلوا القارب بقيادة واحدة فقط.
لكن لأن التغيير عندنا كثيرًا ما يكون شكليًا لا جوهريًا،
جاءت التشكيلة الجديدة كالتالي:
قائد واحد، نائب للقائد، ثلاثة مساعدين، ثلاثة نواب للمساعدين…
وما زال المجدف المسكين وحيدًا يقاوم التيار!
انتهت الجولة الثانية، وكانت النتيجة كما كانت:
فوز ساحق لليابانيين، وهزيمة مدوية للعرب، مع نفس “الدهشة المصطنعة”.
فعادت لجنة التحقيق لتحليل الأسباب، وكانت النتائج مثيرة:
الفريق الياباني حافظ على نفس التنظيم البسيط: قائد + 8 مجدفين.
الفريق العربي، رغم تعديلاتهم، ما زالوا يُصرّون على أن تكون القوارب مليئة بالقادة، والمناصب، والبيروقراطية، بينما العمل الحقيقي يقع على كتف واحد.
لكن الكارثة لم تكن هنا فقط، بل في القرار النهائي:
قرر المسؤول العربي محاسبة “المقصر”،
فتم فصل المجدف الوحيد… لأنه فشل في تحقيق الفوز وحده!
والأدهى، والذي لم يُذكر في التقرير الرسمي:
أن ثمانية من أصل تسعة في الفريق العربي كانوا من أقارب المسؤول عن التشكيل،
وكلٌّ منهم يحمل لقبًا مرموقًا بلا دور فعلي: “مساعد قائد”، “نائب مساعد”، “مراقب مجدف”، و”منسق معنويات القارب”…!
الرسالة الضمنية في هذه الحكاية الساخرة:
حين تكثر الألقاب وتقل الأيادي العاملة، تغرق القوارب مهما كانت نواياها.
القيادة ليست بكثرة القادة، بل بحسن التنظيم وتقسيم الأدوار.
المحسوبية والفساد الإداري قد تغرق أي مؤسسة مهما كانت إمكانياتها.
والأنكى، أننا نُحمّل العامل الحقيقي عبء الفشل، بينما يتقاسم الفاشلون كعكة المناصب والوجاهة!
في اليابان… القارب يتحرك لأن الجميع يجدف.
في عالمنا… القارب يغرق لأن الجميع يصرّ على أنه القائد،
وإن غرق… وجدنا دائمًا من نعلّق عليه الفشل: ذلك المجدف المسكين!