أخبار دوليةسلايدر

معرض الجزائر IATF 2025 بين وهم الريادة وحقيقة الموازين الإفريقية

بقلم :ذ/ الحسين بكار السباعي

إن استضافة الجزائر لمعرض التجارة البينية الإفريقية، لم تحدث أي تغير في حقيقة التوازنات القارية، بقدر ما أكدت محدودية قدرتها على إعادة تموقعها في إفريقيا. فضعف الحضور الرئاسي وغياب كبار الفاعلين الإقتصاديين عكس بجلاء أن الخطاب السياسي لا يكفي وحده لإستقطاب الثقل الإفريقي، وأن النفوذ والزعامة لا تبنى بالمواسم الدعائية والخطابات الكلاسيكية، بل بعمق الاستثمارات والربط البنيوي.

ما حققته الجزائر من خلال “معرضها” كان مجرد بروتوكول في صورة ، معرض ظل هشا في مضمونه، إذ أن إنتقال النسخة المقبلة IATF 2026 إلى نيجيريا حمل إشارة واضحة إلى أن القيادة الإقتصادية القارية موزعة بين مكان وجود الحجم و الفعالية، وبين حيث يوجد من يرفع مجرد الشعارات والخطابات التي تعود للسنوات الباردة.
لقد بدا أن الجزائر أرادت من خلال الحدث إستعادة صورة الزعامة ، غير أن الواقع الجيو إقتصادي اليوم، كشف عن تراجع موقعها وسط شبكة المصالح الإفريقية المعقدة. والذي فرضه تحول عميق في موازين القارة الجيو إقتصادية، بفعل تداخل ثلاثة مسارات كبرى وهي، صعود قوى إقليمية إفريقية، وتنافس قوى دولية كبرى على مواردها وأسواقها، وتغير أنماط الإنتاج والتمويل في ظل الانتقال الطاقي والتحولات التكنولوجية.
في الجانب الآخر، رسخ المغرب حضوره كفاعل بنيوي لا عرضي. فمن البنيات المينائية والمالية إلى الإختراق الإستثماري في الإتصالات والأسمدة والبنوك، ومن مشاريع الطاقات المتجددة إلى صناعة السيارات و تكنولوجيا الطيران، نسجت المملكة خيوط نفوذها في عمق الإقتصاد الإفريقي، حتى غدا حضورها جزءا من دورة الإنتاج والتمويل، لا مجرد ضيف موسمي. على الصعيد الدولي، عزز المغرب هذه المكانة عبر شراكات إستراتيجية مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، موازيا بذلك بين عمقه الإفريقي وإشعاعه العالمي.
فإفريقيا مقبلة اليوم على إعادة توزيع لمراكز الثقل من الإقتصادات الريعية المعتمدة على المحروقات، نحو إقتصادات التنويع والاندماج الصناعي والتجاري. ومن يمتلك القدرة على تأمين التمويل واللوجستيك والمعرفة، سيكون الأقدر على قيادة القارة نحو إستقلاليته اقتصادية تدريجية. ليضل المغرب أحد الفاعلين الأكثر قدرة على الجمع بين العمق الإفريقي والإشعاع الدولي، وهو ما يجعل مكانته مرشحة لمزيد من الصعود في النظام الجيو إقتصادي اقتصادي العالمي الجديد.

ختاما، إن معركة الزعامة ورهانات القيادة في إفريقيا لن تحسم بالشعارات ولا بالمواسم الدعائية، بل بقدرة الدول على نسج شبكة متينة من البنى اللوجستية والتمويل المستدام، وإرساء اعتمادية متبادلة بين الإقتصادات في سياق تكاملي صاعد. وفي هذا السياق يواصل المغرب ترسيخ موقعه المتقدم كجسر إستراتيجي وفاعل مؤثر، فيما تبقى الجزائر رهينة خطاباتها وأسيرة ذهنية تقليدية لم تدرك بعد أن زمن الإنفصال والتقسيم قد ولى، وأن المستقبل لا يبنى إلا بمشاريع حقيقية تؤسس لشراكات نفعية وتضع المصالح المشتركة فوق الاعتبارات الإيديولوجية الضيقة.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى