أخبار دوليةسلايدر

أزمة الانضباط في الجيش الجزائري تكشف هشاشة النظام العسكري وضعف تماسكه الداخلي

الدار/ إيمان العلوي

في الوقت الذي يسعى فيه النظام العسكري الجزائري إلى تقديم نفسه كقوة إقليمية قادرة على فرض رؤيته في شمال إفريقيا والساحل، تكشف وثائق مسربة من وزارة الدفاع الجزائرية عن صورة مغايرة تماماً، عنوانها ضعف الانضباط وتآكل الروح المعنوية داخل المؤسسة العسكرية.

فبحسب وثيقة مؤرخة في 04 ديسمبر 2024، والمتعلقة باللواء الأول لرادار الكشف والمراقبة التابع للناحية العسكرية الأولى، جرى خلال شهر واحد فقط معاقبة تسعة جنود بتهم تتعلق بالفرار من الخدمة أو التهاون في أداء المهام. وهذه المعطيات، وإن بدت محدودة من حيث العدد، إلا أنها تعكس أزمة أعمق مرتبطة بالبنية الإدارية والرقابية داخل الجيش الجزائري، وتثير تساؤلات مشروعة حول قدرة النظام العسكري على الحفاظ على تماسك قواته في وحدات حساسة يفترض أنها تشكل خط الدفاع الأول.

المثير للانتباه أن هذه الأزمة لا يمكن فصلها عن الظروف الاجتماعية والنفسية الصعبة التي يعيشها الجنود في الجزائر، في ظل تقارير متعددة عن سوء التغذية، ضعف التجهيزات، وانعدام التحفيز المادي والمعنوي. فبينما تضخ القيادة الجزائرية مليارات الدولارات في صفقات تسلح ضخمة من روسيا..، يبقى العنصر البشري – وهو الأساس في أي منظومة دفاعية – مهمشاً ومُثقلًا بالضغوط والإحباط.

خبراء عسكريون يرون أن ما حدث ليس حادثة عرضية، بل مؤشر على تآكل الثقة بين القيادة والجنود في الجيش الجزائري. إذ أن الفرار من الخدمة في وحدات استراتيجية يعكس انعدام الإحساس بالانتماء، وغياب قنوات تواصل فعّالة بين المستويات العليا والقاعدة العسكرية. ويذهب بعض المحللين إلى أن الأزمة تعكس أيضاً أزمة شرعية أوسع للنظام الحاكم، حيث يُنظر إلى الجيش كأداة بيد القيادة السياسية – العسكرية لفرض السيطرة الداخلية، بدل أن يكون مؤسسة وطنية حقيقية تحظى بثقة مواطنيها.

إن النظام الجزائري، الذي يرفع شعارات “حماية الأمن القومي” و”التصدي للمخاطر الإقليمية”، يجد نفسه اليوم أمام مرآة تكشف هشاشته الداخلية. فأي قوة عسكرية يمكن أن تُبنى على أسس غير مستقرة، بينما يعاني الجنود من الإحباط، والفساد ينخر في جسد المؤسسة، والإدارة تفتقر إلى الانضباط الفعلي؟

تطرح هذه الوثيقة المسربة سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن لجيش يواجه أزمة انضباط داخلية متفاقمة أن يدّعي القدرة على حماية البلاد أو لعب دور إقليمي؟ الجواب يظل معلقاً، لكنه يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن الخطاب الرسمي للنظام العسكري الجزائري شيء، والواقع داخل ثكناته شيء آخر تماماً.

زر الذهاب إلى الأعلى