أخبار الدارسلايدر

المغرب… حين يكون الاستقرار الثروة الحقيقية

الدار/ مريم حفياني

حين نتأمل في المشهد المغربي اليوم ونقارنه بما عاشته كبريات الديمقراطيات الغربية، ندرك سريعاً أن ما يجري لا يرقى حتى إلى عُشر ما واجهته فرنسا سنة 2018 مع حركة “السترات الصفراء”. تلك الحركة التي انطلقت بمطالب اجتماعية ضد غلاء المحروقات قبل أن تتحول إلى إعصار سياسي وأمني هز باريس ومدناً أخرى، وأسفر عن قتلى وجرحى وآلاف المعتقلين، فيما لم تتردد السلطات الفرنسية في الدفع بالمدرعات ونشر الجيش وفرض قيود مشددة على التظاهر. ومع ذلك، لم يتعرض النظام الفرنسي للانهيار ولا للراديكالية، بل إن الرئيس إيمانويل ماكرون أعيد انتخابه لولاية ثانية، بعدما أثبت أن الحزم لا يتعارض مع الشرعية الديمقراطية.

فرنسا لم تكن وحدها في هذا السياق. الولايات المتحدة نفسها، مهد الديمقراطية الحديثة، عرفت في السنوات الأخيرة احتجاجات حاشدة تخللتها أعمال عنف ونهب وحرق، أبرزها أحداث “حياة السود مهمة” بعد مقتل جورج فلويد، حيث نزلت قوات الحرس الوطني إلى الشوارع في عشرات الولايات. وفي إسبانيا، تحركات انفصاليي كاتالونيا 2017 قوبلت باستعمال القوة الصارمة وحملات اعتقال واسعة، دون أن يجرؤ أحد على وصف ذلك بالقمع أو التعدي على الحقوق. القاعدة واحدة: لا دولة في العالم تسمح أن تتحول ساحاتها إلى فضاء للفوضى غير المضبوطة.

في مقابل ذلك، ما يعيشه المغرب اليوم يبقى محدوداً ومضخماً من طرف خصومه الذين يحاولون تضخيم أي تحرك شبابي أو احتجاج اجتماعي ليظهروه وكأنه زلزال يهدد استقرار البلاد. لكن الواقع مختلف تماماً: المغرب، بخبرته التاريخية وبنيته الأمنية الصلبة، يظل استثناءً في محيط إقليمي مضطرب. فمن حوله دول اهتزت بالسقوط في مستنقع الفوضى والاقتتال، بينما ظل هو ثابتاً، مستنداً إلى ما يمكن اعتباره أغلى ثرواته: نعمة الأمن والاستقرار.

هذا الاستقرار لم يأتِ صدفة، بل نتيجة وعي جماعي بأن الفوضى لا تخدم سوى الأعداء والمتربصين، وأن الحفاظ على الوطن أولى من الانجرار وراء شعارات جوفاء. نعم، قد توجد مطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة، لكن الفرق بين الاحتجاج المنظم والمسؤول وبين التخريب العشوائي هو كالفرق بين البناء والهدم. والمغاربة يعرفون جيداً أن وطنهم لا يحتمل أن يكون ساحة لتجارب الحاقدين.

لقد حاول الحساد مراراً وتكراراً توظيف منصات التواصل لإشعال الفتن، وحاولت أطراف إقليمية استغلال أي شرارة لإضعاف المغرب، لكن كل مرة تنكسر محاولاتهم أمام وعي المواطنين ويقظة مؤسسات الدولة. والنتيجة أن المملكة تبقى اليوم نموذجاً للاستقرار وسط محيط إقليمي ودولي متوتر.

في النهاية، يمكن القول إن المغرب يظل استثناءً، لا لأنه لم يعرف احتجاجات أو أصواتاً غاضبة، بل لأنه عرف كيف يحافظ على توازنه بين الحرية والنظام، بين الحق في التعبير وواجب حماية الوطن. وبينما تتهاوى دول تحت ثقل الفوضى، يظل المغرب واقفاً، عزيزاً، لأن أبناءه أدركوا أن الأمن هو الثروة التي لا تعوض.

زر الذهاب إلى الأعلى