الصين تصنع المستقبل عبر سكك حديدية ذكية فائقة السرعة مكهربة بالكامل
الصين تصنع المستقبل عبر سكك حديدية ذكية فائقة السرعة مكهربة بالكامل

الدار/ كلثوم إدبوفراض
بعد خمسة عقود من انطلاق مشروع كهربة السكك الحديدية الذي بدأ عام 1975 عبر تشغيل أول خط مكهرب بالكامل من مدينتي باوجي وتشنغدو، الذي كان نقطة بداية لتحوّل جذري في منظومة السكك الحديدية الصينية نحو التحديث والتطور التكنولوجي المستمر، بالرغم من ذلك، لا تزال الصين تواصل تعزيز ريادتها العالمية في قطاع النقل الحديث.
ولتحقيق ذلك، ينهمك المهندسون الصينيون اليوم على تطوير نظام تزويد طاقة متطور بسرعة 400 كلم في الساعة مخصص لقطار “CR450” فائق السرعة، الذي يتوقع أن يشكّل معياراً بمواصفات عالميى جديدة تواكب أهم التطورات في مجال تشغيل القطارات الحديثة.
وبفضل هذا التطور المتسارع، أصبحت جمهورية الصين تمتلك أكبر شبكة سكك حديدية مكهربة في العالم، والتي بلغ طولها بنهاية عام 2024 نحو 162 ألف كيلومتر، منها أكثر من 120 ألف كلم بالطاقة الكهربائية.
في الإطار ذاته، تتميز هذه الفئة من القطارات المكهربة بقدرتها العالية على الأداء والاستدامة، إذ يمكن لقطار شحن واحد نقل خمسة آلاف طن من البضائع، بينما تصل بعض الخطوط مثل داتونغ–تشينهوانغداو إلى تشغيل قطارات تزن 20 ألف طن.
أما فيما يخص قطاع الركاب، فتتيح التكنولوجيا الحديثة تشغيل قطارات بسرعة 350 كيلومترًا في الساعة مثل سلسلة “فوشينغ”، مع تقليل الانبعاثات والضوضاء بشكل كبير مقارنة بالقطارات العاملة بالديزل، في إنجاز يجمع بين السرعة والوعي البيئي.
ولم تنسى الصين أن تراهن على التحديات التقنية، حيث استطاع الخبراء الصينيون أن ينجحوا في ابتكار أسلاك نحاسية عالية القوة والموصلية من سبائك الكروم والزركونيوم، ما رفع كفاءة التوصيل بنسبة 20 بالمائة، ما أتاح تشغيلًا مستقرًا وآمنًا بسرعات تصل إلى 400 كيلومتر في الساعة.
وقد عزّز هذا الابتكار الصناعي، مكانة الصين كدولة رائدة في تكنولوجيا السكك الحديدية فائقة السرعة، كما أحدث نقلة نوعية في مجال صيانة البنية التحتية، من خلال تطوير نظام بصري ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد العيوب في خطوط الكهرباء العلوية.
وبالتالي، فهذا النظام قادر على كشف أكثر من 1300 نوع من الأعطال المحتملة قبل التدخل البشري، ما أدى إلى رفع كفاءة الفحص وتقليل تكاليف الصيانة بنسبة %20، بفضل التكامل بين تقنيات البيانات الضخمة، والجيل الخامس، والطائرات المسيّرة، والحوسبة السحابية.
ولمواصلة كتابة الصين فصل جديد في تاريخ النقل الحديث، لم تنسى المناطق البعيدة والتي تتوفر على تضاريس وعرة، لكن هذا لم يمنعها من فتح خط داتونغ–تشينهوانغداو المخصص لنقل مليارات الأطنان من البضائع، وصولًا إلى الخط فائق السرعة بين تشونغتشينغ وشيامن، بإحداث سكة لاسا–نينغتشي في التبت.
ومن خلال ما سبق، نرى أن مسيرة كهربة السكك الحديدية بالصين، تمثل اليوم انتقالها من شعار “صُنع في الصين” إلى “صُنع بذكاء في الصين”، في خطوة تعكس نهجًا استراتيجيًا يربط بين التنمية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي والتحديث الشامل.