
بقلم: ياسين المصلوحي
استقبل المغاربة بفرحٍ شديدٍ واعتزاز وطني كبير قرارَ مجلس الأمن رقم 2797، القاضي باعتماد مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للأقاليم الجنوبية، كأساسٍ لحلٍّ عادلٍ ودائمٍ ومقبول، يشكّل الحلَّ الأكثر جدوى لهذا النزاع المفتعل.
القرار، الذي جاء بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية وحظي بتأييدٍ واسعٍ من أعضاء مجلس الأمن، في مقابل انسحاب الجزائر وامتناع ثلاث دول عن التصويت، عُدّ بمثابة اعترافٍ دوليٍّ متجددٍ بجدية المقترح المغربي، وبنجاعة الدبلوماسية المغربية في الدفاع عن وحدتها الترابية.
ويعكس هذا الإنجاز ثمرةَ مجهوداتٍ ديبلوماسيةٍ متعددة المستويات، قادتها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، إلى جانب ديبلوماسيةٍ موازيةٍ نشطة، جمعت بين الديبلوماسية الأمنية، التي عززت التعاون الدولي في محاربة التهديدات المشتركة، والديبلوماسية الاقتصادية التي رسخت حضور المغرب في أقاليمه الجنوبية عبر مشاريع تنموية واستثمارية كبرى.
كما برزت الديبلوماسية الرياضية كأداةٍ جديدةٍ وفعالةٍ للتقارب الدولي، خاصة من خلال كرة القدم، التي أصبحت وسيلةً لتقوية العلاقات بين الشعوب والدول، في انسجامٍ تامٍّ مع التوجهات الملكية الرامية إلى جعل الرياضة رافعةً للتنمية والانفتاح.
كل ذلك تحت التوجيهات السامية لصاحب الجلالة نصره الله، الذي دشن ورشًا ديبلوماسيًا كبيرًا امتد على مدى سنواتٍ طويلة، تجلّى في زياراته المتكررة للدول الإفريقية، ونتج عنها العودة المميزة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، والروابط الكبيرة مع مجموعةٍ من الدول الغربية القوية، أولها الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد حليفًا استراتيجيًا للمملكة المغربية، دون الحاجة إلى أموال الغاز أو البترول أو الصفقات العسكرية، وإنما في إطار علاقاتٍ دوليةٍ مبنيةٍ على الاحترام والتقدير المتبادل.
رغم أن بعض الدول الأوروبية لم تتقبل بادئ الأمر وصول المغرب إلى مكانة دولية مرموقة، لكن مع الزمن استطاع الحفاظ على موقعه وترسيخه، كما فتح الباب لاكتساب حلفاء جدد، أو على الأقل ضمان حيادهم الديبلوماسي، مثل روسيا والصين والهند.
إن قرار مجلس الأمن يُعتبر انتصارًا لقضيةٍ عادلةٍ دافع عنها المغرب لنصف قرن، وكان دائمًا صاحب اليد الممدودة، انطلاقًا من دعوة المغفور له الحسن الثاني لأبناء الصحراء للعودة إلى الوطن في إطار مبادرة “الوطن غفور رحيم”، مرورًا بالدعوات السلمية المتكررة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، خصوصًا إلى الجزائر التي تُعتبر الراعي الرسمي للجبهة الانفصالية وممولتها، والتي ظلت تطالب وتدعم الاستفتاء في الأقاليم الصحراوية المغربية.
آخرها دعوته نصره الله، عقب صدور القرار الأممي، في خطابه الموجه إلى الشعب المغربي، الذي عبّر فيه عن تقديره وشكره لكل من ساهم في إخراج هذا القرار، وتأكيده على أن المغرب يسعى للوصول إلى حلٍّ توافقيٍّ يحفظ ويصون كرامة كل الأطراف دون غالبٍ ولا مغلوب، رغم عدالة القضية. كما دعا حفظه الله مغاربة مخيمات تندوف إلى استغلال فرصة الحكم الذاتي للمساهمة في تدبير الشؤون المحلية بالأقاليم الجنوبية، والدعوة إلى حوارٍ أخويٍّ صادقٍ بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقاتٍ جديدةٍ تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار.
إن قرار 31 أكتوبر 2025 ليس إلا انطلاقةً لمسارٍ جديدٍ من البناء والتنمية والتخطيط، لتكريس سيادة المغرب على صحرائه، وبابًا للمصالحة مع بعض السكان الصحراويين المغرّر بهم، وفرصةً لإصلاح العلاقات الإقليمية المتوترة، والتوجه نحو تقوية الاتحاد المغاربي الكبير، وإنهاء صراعٍ مفتعلٍ عمر لفترةٍ طويلة، كان يمكن استثمارها في تحقيق التنمية والتقدم للمنطقة ككل.






