أخبار دوليةسلايدر

قرار مجلس الأمن يُكرّس مغربية الصحراء قانونياً ويُحاصر البوليساريو دبلوماسياً: الاعتراف الواقعي أصبح أمراً مفروضاً

الدار/ مريم حفياني

جاء قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء المغربية ليُعيد صياغة موازين القوة القانونية والسياسية في هذا الملف الذي يشغل المنتظم الدولي منذ أكثر من أربعة عقود. القرار، الذي صيغ بلغة دقيقة ومدروسة، لم يعلن صراحة مغربية الصحراء، لكنه وضع الأسس القانونية والسياسية لما يمكن تسميته بـ”الاعتراف الواقعي غير المعلن” بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

من بين أبرز نقاط التحول التي جاء بها القرار الأممي، تلك المتعلقة بالعبارة الجديدة التي تقول:

“affirming that genuine autonomy under Moroccan sovereignty could constitute a most feasible solution”

لأول مرة في تاريخ قرارات مجلس الأمن يُدرج مفهوم “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” بهذه الصيغة الصريحة. وهي صياغة تحمل دلالة عميقة: فالمجلس لم يكتفِ بالإشادة بمبادرة المغرب، بل اعتبر السيادة المغربية الإطار القانوني الوحيد الممكن للحل. بذلك، لم يعد النقاش حول “من يملك الأرض”، بل حول “شكل تدبير الحكم داخل السيادة المغربية”.

الفقرة التي تؤكد على “taking as basis Morocco’s Autonomy Proposal” تُحدث انقلاباً في المرجعيات القانونية للنقاش داخل الأمم المتحدة. إذ تحوّل مقترح الحكم الذاتي من مجرد مبادرة وطنية إلى مرجعية أممية رسمية لأي مفاوضات مستقبلية.
لم يعد هناك حديث عن “استفتاء” أو “خيار الاستقلال”، وهما المفهومان اللذان ظلت الجزائر والبوليساريو تدافعان عنهما لسنوات. القرار يطوي عملياً صفحة تلك الطروحات، ويُكرّس أن الحل الوحيد الممكن هو داخل السيادة المغربية.

عبارة “solution that provides for the self-determination…” كانت محور تأويلات كثيرة في الماضي. غير أن القرار الأخير يعيد تعريف هذا المفهوم في سياق مغربي خالص: تقرير المصير لا يعني الانفصال، بل المشاركة في تقرير شكل الحكم داخل المغرب، أي “تقرير مصير داخلي” عبر آلية الحكم الذاتي.
بهذا، يُقنّن مجلس الأمن القراءة المغربية للمبدأ الدولي، ويضع حداً لاستغلاله لتبرير أطروحات الانفصال.

من المؤشرات الدبلوماسية اللافتة أن القرار تجنّب تماماً استعمال أي تعبير من قبيل “قوة احتلال” أو “شعب تحت الاحتلال”. بل على العكس، شدد على ضرورة تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف، في إشارة مباشرة إلى الشكوك الأممية حول الأرقام التي تقدمها الجزائر، وإلى انعدام الشفافية في وضعية سكان المخيمات.
كما أن الامتناع عن ذكر أي “جمهورية” أو “كيان صحراوي” يُمثل عملياً نفياً لوجود كيان سياسي منفصل عن المغرب في نظر الأمم المتحدة.

القرار مدد مهمة بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2026، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ سنوات.
هذا التمديد الطويل يُعبّر عن رغبة مجلس الأمن في تثبيت الوضع القائم: لا حرب، لا استفتاء، ولا تغيير في مهام البعثة. أي أن المينورسو تحولت من أداة “لتنظيم استفتاء” إلى آلية لمراقبة استقرار الأوضاع في منطقة تعترف الأمم المتحدة عملياً بأنها تحت السيادة المغربية.

القرار الأخير يُؤسس لما يمكن تسميته بـ”تحول استراتيجي” في تعامل الأمم المتحدة مع ملف الصحراء.
فمن خلال جعل المبادرة المغربية المرجعية الوحيدة، واعتبار السيادة المغربية الإطار القانوني للمفاوضات، مع إدماج مفهوم تقرير المصير في شكل حكم ذاتي داخلي، يكون مجلس الأمن قد وضع نهاية ضمنية لأطروحة الانفصال.

وفي المقابل، يجد الكيان الانفصالي نفسه في عزلة غير مسبوقة. فكما حذر أحد كبار المسؤولين الأمميين مؤخراً، استمرار جبهة البوليساريو في رفض الدخول في مفاوضات جادة تحت مظلة الحكم الذاتي قد يُصنّفها ضمن خانة المليشيات المسلحة الخارجة عن الشرعية الدولية.

لم يعد قرار مجلس الأمن مجرد وثيقة تقنية، بل إعلاناً دبلوماسياً متدرجاً عن تحول جذري في الموقف الدولي من الصحراء المغربية.
فالعالم اليوم، من واشنطن إلى باريس ومدريد، يقرأ بين سطور القرار أن الاعتراف الرسمي قد لا يكون مسألة “إن كان”، بل “متى”. والمغرب، برؤية جلالة الملك محمد السادس، يُواصل ترسيخ هذا المسار بثبات، جامعاً بين الشرعية التاريخية والدبلوماسية الذكية والواقعية الميدانية.

زر الذهاب إلى الأعلى