أخبار دوليةسلايدر

رفض البوليساريو لمفاوضات الحكم الذاتي يضعها في خانة الميليشيات الإرهابية… وقرار مجلس الأمن يُكرّس مغربية الصحراء واقعياً وقانونياً

الدار/ غيثة حفياني

عقب قرار مجلس الامن توصل النظام الجزائري وبوليساريو برسالة تحذير صارمة، محذّرة من أن استمرارها في رفض الدخول في مفاوضات الحل النهائي للنزاع وفق خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سيُدخلها في خانة الميليشيات الإرهابية، في إشارة واضحة إلى أن صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد أمام تمردها على الشرعية الدولية ورفضها المتواصل لأي حل سياسي واقعي. ويأتي هذا التحذير في أعقاب صدور قرار تاريخي لمجلس الأمن الدولي، صيغ بلغة دقيقة غير مسبوقة، يُكرّس واقعياً وقانونياً مغربية الصحراء، ويجعل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الإطار الوحيد المقبول لحل هذا النزاع الإقليمي المزمن.

القرار، الذي اعتبره مراقبون منعطفاً حاسماً في مسار القضية، تضمّن للمرة الأولى إشارة واضحة إلى أن “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكّل الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق”، وهي عبارة تحمل اعترافاً ضمنياً بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وبذلك، لم يعد النقاش الأممي حول من يملك الأرض، بل حول كيفية إدارة شؤونها في إطار السيادة المغربية الكاملة. هذا التطور يعكس تحوّلاً نوعياً في الموقف الدولي، حيث أصبحت المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تقدّم بها المغرب سنة 2007، المرجعية الرسمية الوحيدة لأي مفاوضات مقبلة، بعدما كانت مجرد مقترح وطني.

في المقابل، بات رفض البوليساريو لهذه الخطة يُعدّ تمرداً على قرارات الأمم المتحدة، ما قد يدفع المجتمع الدولي إلى تصنيفها ضمن التنظيمات المسلحة الخارجة عن القانون. وقد أشار مسؤولون أمميون إلى أن هذا الموقف المتهور من قادة الجبهة يضعها في عزلة متزايدة، خصوصاً بعد تزايد التقارير الأمنية التي تؤكد تورط عناصرها في أنشطة غير مشروعة، من تهريب السلاح إلى التعاون مع جماعات متطرفة تنشط في منطقة الساحل. وهو ما يجعل من البوليساريو، في نظر المراقبين، كياناً يتحول تدريجياً من حركة انفصالية إلى ميليشيا تهدد الأمن الإقليمي.

كما يُلاحظ أن قرار مجلس الأمن تجنب تماماً استعمال أي تعبير من قبيل “قوة احتلال” أو “شعب تحت الاحتلال”، وهي مفردات كانت الجزائر تُحاول ترسيخها في الخطاب الأممي منذ عقود. بل إن المجلس شدد هذه المرة على ضرورة تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف، في إشارة ضمنية إلى التشكيك في المعطيات التي تقدمها السلطات الجزائرية حول أعدادهم وظروفهم. والأكثر دلالة، أن القرار لم يتطرق بأي شكل إلى ما يسمى بـ“الجمهورية الصحراوية”، ما يعني نفي وجودها كمفهوم سياسي أو قانوني في نظر الأمم المتحدة.

ومن المؤشرات القوية على تثبيت هذا التوجه الجديد، تمديد ولاية بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2026، وهو ما فُهم على نطاق واسع كإشارة إلى رغبة مجلس الأمن في تكريس الوضع القائم: لا حرب، لا استفتاء، ولا تغيير في مهام البعثة. أي أن المنظمة الأممية باتت تعتبر أن خيار الاستفتاء أصبح متجاوزاً، وأن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد القابل للتطبيق.

بهذا القرار، تكون الأمم المتحدة قد أرست الأسس الواقعية لما يُمكن تسميته بالاعتراف غير المعلن بمغربية الصحراء. فالمبادرة المغربية باتت المرجعية الوحيدة، والسيادة المغربية أصبحت الإطار القانوني للمفاوضات، ومفهوم تقرير المصير أُدرج ضمن صيغة الحكم الذاتي الداخلي. أما جبهة البوليساريو، فقد وجدت نفسها في موقع ضعيف غير مسبوق، بعدما أغلقت الأمم المتحدة عملياً الباب أمام مشروعها الانفصالي، ووضعتها أمام خيار واضح: إما الانخراط في الحل السياسي الذي تقوده الرباط تحت رعاية أممية، أو مواجهة تصنيف دولي كميليشيا مسلحة خارجة عن الشرعية.

لقد كرّس القرار الجديد واقعاً لا يمكن إنكاره: مغربية الصحراء أصبحت حقيقة سياسية ودبلوماسية تتأكد يوماً بعد يوم، بينما تنهار رواية الانفصال تحت ثقل الاعتراف الدولي المتزايد بمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي. وفي ظل هذا التحول، لم يعد السؤال ما إذا كان العالم سيعترف بسيادة المغرب رسمياً، بل متى سيُعلن ذلك صراحة.

زر الذهاب إلى الأعلى