بعد رفض الجزائر إعادة تشغيل أنبوب المغرب.. مدريد توقّع صفقة غاز جديدة مع عُمان
بعد رفض الجزائر إعادة تشغيل أنبوب المغرب.. مدريد توقّع صفقة غاز جديدة مع عُمان

الدار/ إيمان العلوي
رفضت الجزائر في الأشهر الأخيرة جميع المقترحات الإسبانية لإعادة تشغيل أنبوب الغاز المار عبر المغرب، المعروف بأنبوب المغرب–أوروبا (GME)، وهو القرار الذي دفع مدريد إلى تنويع مصادرها والتوقيع على صفقة طويلة الأمد مع سلطنة عُمان لتوريد الغاز المسال لمدة عشر سنوات.
الأنبوب، الذي يبلغ طوله أكثر من 1600 كيلومتر، كان لعقود أحد أهم شرايين الطاقة في المنطقة، إذ وفّر للجزائر منفذاً مباشراً نحو أوروبا، ومكّن المغرب من الحصول على جزء من احتياجاته من الغاز عبر رسوم العبور. لكن مع انتهاء العقد في نهاية 2021، اختارت الجزائر إغلاق الصنبور نهائياً وقطع التعاون مع المغرب، بدلاً من فصله عن خلافاتها السياسية معه حول قضية الصحراء المغربية.
هذا القرار الذي اتُّخذ بدوافع سياسية بحتة، لم يُضعف المغرب كما كانت تتمنى الجزائر، بل دفعه إلى تسريع استراتيجية التنويع الطاقي، فبدأ في استيراد الغاز المسال من الأسواق الدولية، وإعادة ضخه إلى أراضيه عبر نفس الأنبوب ولكن بتدفق عكسي من إسبانيا نحو المغرب. بذلك، تحوّل الأنبوب من رمز للتعاون المغاربي إلى رمز لفشل دبلوماسي جزائري في قراءة موازين المصالح.
إسبانيا، التي واجهت بدورها ارتباكاً مؤقتاً في إمدادات الغاز الجزائري، وجدت في هذا الانغلاق الجزائري حافزاً لتقوية شراكاتها مع دول أكثر مرونة واستقراراً. فجاءت صفقة الغاز المسال مع سلطنة عُمان لتؤكد تحوّل مدريد نحو تنويع مصادرها الطاقية بعيداً عن الهيمنة الجزائرية. وبموجب الاتفاق، ستمدّ عُمان السوق الإسبانية بالغاز الطبيعي المسال على مدى عشر سنوات، مما يعزز أمن الطاقة الإسباني ويمنحها استقلالية أكبر في سياساتها الطاقية.
في المقابل، خسرت الجزائر أحد أهم أوراقها التفاوضية في أوروبا، بعدما كانت تعتمد على خط أنبوب المغرب–أوروبا لتأمين نفوذ اقتصادي وسياسي في القارة. إغلاق الأنبوب جعلها أسيرة لأنبوب واحد هو “ميدغاز” الذي يربطها مباشرة بإسبانيا عبر البحر، ما قلّل من قدرتها على المناورة في سوق الغاز الأوروبي. كما أدّى القرار إلى إضعاف صورتها كمورد موثوق، في وقت تتنافس فيه الدول المنتجة على تأمين حصصها في السوق الأوروبية المتعطشة للطاقة.
وفي حين استطاع المغرب، خلال فترة وجيزة، بناء شبكة جديدة من الشراكات الطاقية مع الولايات المتحدة ونيجيريا والنرويج والسعودية، ظلّ النظام الجزائري غارقاً في حساباته السياسية القديمة، متجاهلاً أن لغة الاقتصاد لا تعترف بالعناد ولا بالخصومات التاريخية. هكذا، وبفضل قرار غير محسوب العواقب، ساهمت الجزائر في إخراج نفسها من معادلة الطاقة المغاربية والأوروبية، بينما ربح المغرب مرونة استراتيجية، وربحت إسبانيا شركاء جدد أكثر موثوقية.
قرار الجزائر بإغلاق أنبوب الغاز لم يكن ضربة للمغرب ولا لإسبانيا، بل كان ضربة لذاتها. فحين تتحكم السياسة في الطاقة، تخسر الدولة عقلها الاقتصادي، وتدفع ثمناً باهظاً من مكانتها ومصداقيتها. ومع صفقة الغاز الجديدة بين عُمان وإسبانيا، يتضح أن “غباء الكابرانات” لم يحرم الجزائر فقط من شراكة استراتيجية، بل فتح الباب واسعاً أمام تحالفات طاقية جديدة في جنوب المتوسط لا مكان فيها للعناد الأيديولوجي.






