أخبار دوليةسلايدر

سقوط آخر أوراق التجميل: النظام العسكري الجزائري يصوت حيث لا يريد شعبه

الدار/ إيمان العلوي

جاء تصويت الجزائر لصالح مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة داخل مجلس الأمن كصفعة سياسية، ليس فقط للدبلوماسية الجزائرية، بل لخطاب دولة حكمها العسكر بالأساطير والشعارات منذ عقود. تلك اللحظة لم تكن مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل نقطة تحوّل أنهت سنوات من المتاجرة بالقضايا العادلة، وفي مقدمتها فلسطين، التي استخدمها النظام لتجميل صورته داخليًا وإلهاء الشعب عن واقعه السياسي والاقتصادي المتردي.

الصدمة كانت عميقة لأن الشارع الجزائري تربى طويلاً على رواية تقول إن بلاده تقف دائماً “ضد الإمبريالية” و”ضد الغرب” و”مع الشعوب المقهورة”، بينما الحقيقة ظهرت واضحة: النظام العسكري الجزائري وقف حيث تملي المصالح واستجابة لضغط واشنطن، لا حيث يملي الشعار ولا حيث ينتظر الشعب. فجأة، تحولت الشعارات الكبرى، التي كان الإعلام الرسمي يكررها صباحًا ومساءً، إلى مجرد أوراق مستعملة لا قيمة لها أمام إملاءات القوة والنفوذ الدولي.

الواقع أن هذا التحول لم يكن مفاجئًا لمن يراقب السياسة الجزائرية بعيون واقعية. فالنظام العسكري الذي يمسك بمفاصل الدولة منذ الاستقلال لم يستثمر في بناء قوة وطنية فاعلة على المستوى الاقتصادي أو الدبلوماسي، بل اكتفى بخطابات حماسية وتجييش عاطفي، بينما كان داخليًا يقمع المعارضة ويضيّق على الصحافة ويُبقي الحياة السياسية معلقة تحت وصاية الجنرالات. ومع أي اختبار دولي حقيقي، يتبيّن الفرق بين الدول التي تصنع نفوذًا حقيقيًا وتملك قرارها، والدول التي تصرخ كثيرًا لكنها تنحني سريعًا حين تصل الضغوط إلى مستوى الجدّ.

لم يعد السؤال الآن عن سبب تصويت الجزائر، بل عن معنى كل ما سبق من ادعاءات بطولة. هل كان النظام صادقًا حين قال إنه “صوت الشعوب” و”صوت فلسطين”؟ أم أن القضية لم تكن سوى ستار لتثبيت شرعية متآكلة وحكم قائم على تكرار التاريخ بدل صناعته؟ وكيف يمكن لنظام يدّعي الدفاع عن فلسطين أن يصطف خلف دولة كانت وما تزال الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل؟

الجزائريون، الذين شاهدوا المشهد بدهشة وغضب، لم يعودوا يقبلون الخطاب الرسمي أو التبريرات المتسرعة التي حاولت وسائل الإعلام الموالية للنظام تسويقها. فالمجتمع الجزائري أصبح أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على مقارنة الأقوال بالأفعال، وأكثر جرأة في مساءلة السلطة العسكرية التي حكمته باسم الثورة أكثر مما حكمته بالقانون والديمقراطية.

ما حدث في مجلس الأمن ليس مجرد تصويت، بل إعلان رسمي بانتهاء مرحلة طويلة من الوهم السياسي. لقد كشف أن النظام العسكري الجزائري لا يتحرك وفق مبادئ أو التزامات أخلاقية، بل وفق حسابات ضيقة مرتبطة ببقائه في السلطة، ولو على حساب القضايا التي طالما رفعها في شعاراته.

وإذا كان هذا الحدث قد كشف شيئًا، فهو أن الشعوب لا يمكن خداعها إلى الأبد، وأن النظام الذي يبني شرعيته على المزايدات لا على السياسات الحقيقية، سينكشف عاجلاً أو آجلاً، مهما طال عمر الخطاب ومهما ضُخمت الصورة.

زر الذهاب إلى الأعلى