ماذا عن لغو الخطباء والأئمة؟
الدار / بوشعيب حمراوي
ألم يحن الوقت، للنظر في لغو بعض خطباء وأئمة المساجد. الذي لا يجدون حرجا في إطلاق ألسنتهم للتفاهات والمتاهات وإصدار الفتاوي والبلاوي، والتدخل في أمور وقضايا دنيوية، بفرض آرائهم ورؤاهم، أو الغوص في عوالم دينية يجهلونها؟.
يتحدثون بلغة (الفقيه العالم)، بأدلة وقرائن واهية، تؤكد ضعفهم الديني وعجزهم على تقديم دروس الوعظ والإرشاد. وتبرز بجلاء وجه (الأنا) والشطط الديني، الذي يغطي كل ملامحهم، ويحولهم إلى زعماء إسلامويين .
ألم ننتبه بعد إلى أن داخل مجموعة الخطباء والأئمة، فئة تغرد خارج سرب المذهب المالكي، والدين الإسلامي. وأنها تواظب على تقديم (إسلامها الخاص)، وكأنها تمتلك بيدها إمارة المؤمنين. تفرض طقوسها الخاصة على المصلين في الجلوس والإنصات، وإعداد مواضيع الخطب، لا تسمن ولا تغني لا دينيا ولا فكريا ؟.
لم ننتبه إلى هؤلاء المهووسين باعتلاء المنابر، والعاجزين على تقديم محتويات دينية في مستوى الحضور من المصلين الذين واظبوا ويواظبون على تنظيم الجلوس وحسن الإنصات. فبقدر حرص المصلين على الأداء التام لكل طقوس ومراسيم الإنصات للوعظ والإرشاد داخل مساجد المملكة، بما فيها الإنصات لخطبة الجمعة. وبقدر امتثال المصلين للأحاديث النبوية الشريفة، التي توصي وتؤكد على ضرورة تجنب اللغو. والتزام آذانهم وعقولهم، بالاهتمام لما يجود به الإمام الخطيب من دروس دينية. بقدر ما تخيب آمال وانتظارات مجموعة من المصلين. يصابون بالملل والإحباط وهم ينصتون للهراء الديني، ولغو بعض الخطباء، بتناولهم أمورا ومواضيع تافهة، في غياب أية أدلة قرآنية أو سنية.
ألا يدرك هؤلاء سواء كانوا موظفي الدولة أو يتقاضون أجورهم من جمعيات أو محسنين، أن وظيفتهم تتجلى في كونهم جسور وقنوات لإيصال المعرفة الدينية، وأنهم ليسوا من صناع تلك المعرفة، ولا من مؤرخيها. ولا يحق لهم الاجتهاد والإبداع في المعرفة الدينية، لأنهم ببساطة يعلمون قبل غيرهم، أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟.
فقد كثر الحديث في أوساط المصلين، عن المستويات الدينية والثقافية والأخلاقية الهزيلة لمجموعة من أئمة وخطباء المساجد. الذين يتخذون مهامهم الدينية، مطيات للتموقع السياسي والاجتماعي والثقافي، ومصاحبة ممثلي السلطات والمنتخبين ورؤساء المصالح العمومية من أجل قضاء مآربهم الخاصة. لا يترددون في فرض أنانيتهم، ومحاولة ترسيخ تعاليم وبدع نسجتها مخيلاتهم وأفكارهم، لا وجود لها ضمن التعاليم الدينية، التي يقرها القرآن (دستور الإسلام)، وما صح من الأحاديث النبوية. والتي تختلف درجة صحتها، باختلاف المذاهب الإسلامية. علما أن المفروض أن يكون هؤلاء درسوا بحق الدين الإسلامي ، وفق المذهب المالكي. ويدركون أن إمارة المؤمنين، هي بيد ملك البلاد. وأن عملهم يقضي بحسن الاطلاع والمعرفة الدينية، من أجل نقل تلك المعرفة عن طريق الخطب والمواعظ والإرشاد. وينحصر إبداعهم واجتهادهم في البحث عن السبل والطرق لتيسير الشروحات والتوضيحات، بناء على ما جاء به القرآن والسنة. ولا يحق لهم فرض آرائهم وأفكارهم كبديل للرد عن استفسارات وأسئلة الناس الدينية. أو إصدار فتاوي في أمور دينية.
ولعل ما يجب التركيز والانكباب على تطهيره، هي منابر المساجد التي يعتليها خطباء الجمعة. تلك المناسبات الأسبوعية التي يطمح من خلالها المواطن المسلم، أن ينال قسطا من المعرفة الدينية، يضاف إلى أجر صلاة الجمعة.
للأسف، وإن كان المغرب يتوفر على خطباء وأئمة واعين وملمين بمهامهم الدينية. فإن هناك فئة من خطباء الجمعة يقدمون نماذج لا تستحق الذكر. ضمنهم بعض المتقاعدين من وظائف عمومية ومهن خاصة، الذين قرروا في أواخر أعمارهم اعتلاء منابر الوعظ والإرشاد، بأرصدة معرفية محدودة في الدين واللغة والثقافة والتواصل.
بعضهم تحولوا من مجرد مرشدين ووعاظ وخطباء إلى علماء وفقهاء، لا يترددون في إطلاق ألسنتهم للفتاوي، وقمع المصلين، والتأويلات للأحاديث الدينية والآيات القرآنية، التي تجادل وتعارض بشأن معانيها علماء الفقه والدين.. وظلت مفاهيمها موضوع شد وجذب بين الفصائل والتيارات الدينية منذ فجر الإسلام. علما أن بعضهم يجدون صعوبة حتى في انتقاء الآيات والسور القرآنية المناسبة لموضوع الخطبة، لتلاوتها عند أداء ركعتي صلاة الجمعة. فتجدونهم يداومون على تكرار نفس الآيات بدعوى أنها المستحبة.
كيف يعقل أن يعلل خطيب جمعة، معرفة دينية، بأحاديث نبوية غير دقيقة، أو لا وجود لها ضمن الأحاديث النبوية المعتمدة لدى المذهب المالكي؟ .. بل كيف يعقل أن يستدل بأبيات شعرية، وحكم وأمثال شخصيات لا تفقه في الإسلام شيئا، بل لم تكن تعرف معنى كلمة (إسلام)؟.
بل الأفظع من هذا وذاك.. أن يقول الخطيب للمصلين : (قال الله تعالى .. وقال الرسول (ص).. وأنا أقول).. يفرض الخطيب شخصه فقيها، ويجيز لنفسه إطلاق الفتاوي. فتجده يخوض في موضوع ديني، تضاربت آراء الفقهاء وعلماء الدين حول صحته من عدمها. ليفاجأ المصلين، ويأمرهم بإتباع رأيه الشخصي (روى فلان وروى فلان.. وأنا أقول إنه يجب كذا وكذا..).. من أنت لتقول وتفتي؟ .. فالإسلام قرآن وسنة صحيحة وكفى..
لقد حان الوقت لتنقية وتطهير بعض المساجد من خطباء صلاة الجمعة، الذين يعتلون منابرها أسبوعيا، بدون أدنى مستويات دينية وأخلاقية، من أجل ممارسة شطط وسلطة، لا أسس وركائز لها داخل الدين والشريعة الإسلامية.
خطباء منحوا لأنفسهم رخص الاجتهاد خارج النصوص الدينية. واظبوا على ترسيخ البدع والفتاوي الشخصية، من أجل فرض تواجدهم ومكانتهم. وهبتهم في صفوف المصلين. مستغلين تحريم الإسلام ، مجرد اللغو. أثناء عرض خطيب الجمعة لخطبته. واكتفاء المصلين بالإنصات والتزام الصمت.
عدد كبير من المصلين، يستنكرون، مضامين عدة خطب الجمعة، ليس من حيث نوعية تلك المواضيع وحاجة الناس إليها. ولكن من حيث طرق معالجتها، والحجج والقرائن المعتمدة من أجل تأكيد كيفية الخوض فيها. واعتمادها أو تركها أو تجنبها أو منعها…
شخصيا أود لو تم فرض تناوب الخطباء على المساجد داخل نفس المدينة أو الجماعة الترابية. بحيث يمكن لكل خطيب أن يعد خطبة في المستوى، ويلقيها كل جمعة بمسجد مغاير، حتى تعم فائدة الخطبة على أكبر عدد من الناس. عوض أن يبقى خطيبا لكل مسجد، ومعظمهم يأتون نفس المساجد كل صلاة جمعة، بحصة ساعتان في الأسبوع.
شخصيا أود لو أن منابر المساجد فتحت للمهندسين والأطباء والمدرسين، وغيرهم من الكفاءات والطاقات، التي يمكن أن تتنافس في تقديم خطب تجمع بين المعرفة الدينية والمطالب الدنيوية. وتزيد من قيمة اللغة العربية، التي يراد مسحها من كل المعارف الدنيوية.
بعد كل هذا … ألا يحق لنا نحن المصلين أن نطلق حملة .. من لغا من الأئمة والخطباء.. فلا خطبة له.. حتى نساهم في تنقية و تطهير منابر المساجد ؟ .