الدين والحياة

شيوخ المتاجرة بالدين: القبض مسبقا.. وبالعملة الصعبة..!

الدار/ إيمان العلوي

على الزجاج الخلفي لكثير من السيارات التي تجوب الشوارع المغربية عبارة "لا تنسى ذكر الله". أصحاب هذه السيارات ربما يعتقدون أنهم مؤمنون أكثر من غيرهم، لذلك علقوا هذه العبارة التي تدل على أن جزءا كبيرا من الدين أصبح تجارة، والدليل على ذلك أن هذه العبارة تتضمن خطأ لغويا فادحا لأنه من المفروض أن تكون العبارة هي "لا تنس" عوض "لا تنسى". ويبدو أن تجار الدين والإيمان أصبحوا آخر من يلمّون بلغة القرآن.

المتاجرة بالدين التي أصبحت متفشية في كل مناحي الحياة. ففي الفضائيات العربية يجلس شيوخ "وقورون" وهم يقرؤون مجلدات كاملة على المشاهدين، وعندما تنتهي الحلقة يكتشف المشاهد، من خلال أسماء الجينيريك، أن مصور الحلقة وصاحب المونتاج والإضاءة والديكور والمخرج كلهم من عائلة الواعظ، وأن المسألة تجارية محضة ولا علاقة لها لا بالآخرة ولا بالجنة والنار، فكل واعظ يصنع في الدنيا جنته لنفسه.

شيوخ الفضائيات يجلسون أمام الكاميرات لتقديم الوعظ الديني بعد مفاوضات عسيرة حول التعويضات المادية، بحيث يقبض بعضهم بالعملة الصعبة، وبالدولار تحديدا، وهناك شيوخ نجوم وشيوخ من الدرجة الثانية وهكذا دواليك.

هناك وجوه معروفة على الفضائيات أصبحت تتصارع فيما بينها، ليس فيمن يقدم أفضل النصح لجمهور المؤمنين، بل حول من يكون الواعظ الأعلى أجرا، تماما كما يحدث بين نجوم السينما والتلفزيون.

الفضائيات العربية تقدم اليوم ما يمكن تسميته بإسلام الثرثرة، أي أن يتحدث الوعاظ كثيرا على شاشات التلفزيون ويتنافسوا حول النجومية، بينما ما ينقص المسلمين اليوم ليس الكلام، بل الأخلاق وحسن المعاملة. 

هؤلاء الوعاظ الذين يتزاحمون اليوم على القنوات الفضائية أكيد أنهم يعرفون جيدا كيف وصل الإسلام إلى أصقاع العالم. وأكيد أنهم يعرفون كيف أسلمت شعوب آسيا وإفريقيا وشعوب أخرى منذ قرون طويلة. فهذه الشعوب لم تكن تتوفر على قنوات فضائية حتى تسمع وعاظ التلفزيون. وعندما أسلم الأندونيسيون أو الماليزيون أو الفليبينيون والصينيون والروسيون أو أفارقة جنوب الصحراء، فإنهم فعلوا ذلك لأنهم عاشروا أشخاصا صادقين وأمناء، فقرروا أن يتبعوا دينهم. لقد كان التجار المسلمون يجوبون أصقاع العالم وكانت الشعوب الأخرى تلاحظ أخلاقهم الرفيعة في المعاملات التجارية والحياة اليومية، بحيث أن تاجرا أمينا واحدا يمكنه أن يدفع قبائل كاملة لاعتناق الإسلام. فالجيوش الإسلامية لم تصل جنوب إفريقيا أو تنزانيا أو نيجيريا أو الصين، لكن وصلها تجار مسلمون قدموا للآخرين أخلاقهم أولا، ولو أن وعاظ الفضائيات يعيشون ألف سنة لما فعلوا ربع ما فعله التجار المسلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى