يونس التايب يكتب للدار: رسالة إلى نساء ورجال التعليم
يونس التايب
الأستاذة المحترمة…
الأستاذ المحترم…
ككل سنة، تنطلق هذه الأيام، السنة الدراسية والتعليمية الجديدة. سنة تأتي بعد سابقتها التي مرت في أجواء مشحونة، بسبب تخبط التدبير الحكومي لهذا الملف الاستراتيجي، والمثقل بإرث من العجز على كل المستويات، أدى إلى تدهور العملية التربوية، في كل مستوياتها تقريبا، ودخول المدرسة العمومية إلى نفق مظلم من الرداءة والارتجال في القرارات، لا تظهر لحد الساعة بوابة للخروج منه.
سيدتي الفاضلة… سيدي الفاضل…
أعلم أنكم عدتم لمقر عملكم، تقريبا، بنفس درجة القلق والتذمر من استمرار الحكومة في تغييب أي أفق للاستجابة لمطالبكم بتحسين ظروف عملكم، وفق منظور شمولي يحقق العدالة في الأجور، ويضمن أمورا يمكنها أن تحفز تطوير منظومتنا التعليمية، وأذكر هنا البعض منها:
– تسوية عادلة للملفات العالقة للموارد البشرية التربوية والإدارية، مع إقرار تحفيزات تراعي حجم التضحيات التي تبذل.
– رصد الاعتمادات اللازمة لإطلاق برنامج سنوي طموح ومكثف للتكوين المستمر للأطر بوزارة التربية الوطنية.
– تهييء بنيات الاستقبال التعليمية لتصبح قادرة على تمكين الأساتذة والمتعلمين من ظروف تربوية تليق بشعارات الجودة التي يرفعها الخطاب الرسمي للحكومة.
ورغم كل ما لا يسر، عدتم لاستئناف المسيرة، وكلكم وعي بأهمية الاستمرار في تأدية مهامكم أولا، بموازاة الفعل النضالي الذي يجب أن يتواصل. عدتم وكلكم إدراك بأن مهمتكم تستدعي التضحية والعطاء، ولا يوازيها أجر أو تعويض مهما علت قيمته. عدتم وكلكم يقين بأن المجتمع سيبقى مدينا لكم، إن أنتم أخلصتم في تأدية مهامكم وأتممتم ملحمة بناء جيل قادم، يكون قادرا على تقديم قيمة مضافة والمساهمة في أن تستمر حظوظ الوطن لتحقيق الأفضل لأبنائه. واعتبار لما سبق، أعبر لكم عن خالص تقديري لنضاليتكم وقيمتكم الإنسانية، وجزيل شكري على ما تقومون به، وصادق تشجيعي لما أنتم مقبلون عليه.
ويقينا مني أنكم فئة ريادية لها رمزية خاصة، ويمكن أن تلعب دورا محوريا في أي ديناميكية مجتمعية إيجابية، عبر اعتماد بعض السلوكات التي يمكن أن تحدث الفارق في تمثل أطفالنا وشبابنا لواقعهم ولمستقبلهم، أقول لكم:
"أشد على أيديكم أستاذتي الفاضلة وأستاذي الفاضل… وأرجوكم أن تصبروا وتصابروا وتخلصوا فوق ما تستطيعون… أبناء هذا الشعب أمانة بين أيديكم وأنتم لهم نبراس وبوصلة… وأنتم مثال وقدوة … أنتم الأب والأم…
بابتساماتكم، سيفهم التلاميذ أن الإبتسامة أخلاق وأمل وتفاؤل … وبكلماتكم الطيبة، سيدركون أن الكلم الطيب خير من الفحش وسيء القول … وبرحمتكم وحنانكم وإنسانيتكم وتعاطيكم المستوعب لمشاكلهم ونقائصهم، وظروفهم الصعبة في أغلب الأحيان، سيتعلم أطفالنا أن يكونوا رحماء ومتسامحون مع غيرهم… وبصدقكم، سيفهمون أن الصدق فرض وواجب… وباجتهادكم، سيدركون أن الرفعة في الدنيا تمر عبر التضحية والاجتهاد… وبنزاهتكم، سيتعلمون ألا يطبعوا مع الغش والتدليس والسرقة…
أرجوكم احرصوا على أن يجعلوا من الكتاب، الأنيس والرفيق… علموهم أن الشعر يرقي الذوق ويهذب الأنفس…
أخبروهم أنهم مغاربة، واجعلوهم يكتشفوا هويتهم ويفتخروا بها … وأخبروهم أن الدولة المغربية من أعرق دول العالم وأكثرها مدعاة لتحقيق فعل حضاري ينفع الإنسانية…
ذكروهم بأسماء سلاطيننا وملوكنا وزعمائنا… وأعيدوا شرح وتبسيط تاريخ المعارك والبطولات التي سطر فصولها أبناء المغرب المقاومون ضد الاستعمار منذ الأزل… واعملوا على أن يمتلئ خيال أبنائنا، بملاحم من صنعوا المجد عبر تاريخ الأمة المغربية… أخبروهم بمن مر فوق هذه الأرض من علماء ومفكرين ومقاومين للظلم وللاستعمار… وذكروهم بأسماء من كانوا منا جغرافيين وأطباء وفيزيائيين ومهندسين وصيدلانيين، أيام لم يكن في باقي بقاع الأرض كثير من مثل تلك الكفاءات… وذكروهم بمن كانوا منا علماء التاريخ وأصول الفقه والحديث وعلوم القراءات وأدباء وشعراء…
علموهم أن وطنهم ينتظر منهم الكثير… وأن المستقبل سيكون أفضل، رغم كل شيء… ولا تتركوا خطابات التذمر والتيئييس تتسلل إلى عقولهم…
أساتذتنا الأفاضل…
لا تجعلوا بؤس واقعنا ومظاهر انحراف التدبير العمومي وفساد السلوكات من حولكم، يحرمكم من القدرة على التفاؤل والأمل… احلموا ما استطعتم، لا ضير في ذلك… اتركوا أحلامكم وطموحاتكم ترتفع وترقى لتصير طوباوية، لا ضير في ذلك… إن فعلتم ذلك ستجعلون تلاميذكم يحلمون، هم أيضا، بأن يصيروا في مقام ما كان عليه أجدادهم من تمكن في الأرض، ومن اعتزاز بمغربيتهم، ومن شجاعة في الانفتاح على الحضارة الإنسانية والتفاعل معها بيقين وثقة…
علموهم كيف يزرعوا بذرة… وكيف يغرسوا شجرة… وكيف يجمعوا القمامة من ساحة المدرسة ومن دروب الحي، ومن الحديقة ومن الغابة… قولوا لهم إن هذه الأرض لنا… وقولوا لهم إن النظافة من الإيمان… وأن الإيمان هو أن تتقي وتحب لغيرك ما تحبه لنفسك… وعلموهم أن رحمة الله وسعت كل شيء… وأن عليهم أن يكونوا رحماء بأنفسهم وبذويهم وبأصدقائهم وبوطنهم وأبناء وطنهم…
لا تتركوا شيئا يسيئ إلى براءتهم… وعلموهم أن الحياة هي الطموح… وأنهم يستطيعون تحقيق كل ما يأملون، إذا هم ركزوا في دراستهم… وصمدوا… وصبروا….
أستاذتي الفاضلة… أستاذي الفاضل…
ثقوا أنكم رغم غبن السياسات العمومية المتخبطة، وتيار التسفيه والتشكيك والرداءة في بعض "وسائل الإعلام"، أنتم الأقدر على أن تشكلوا الجزء الأكبر من وعي أبناء هذا المجتمع، وتصنعوا ملامح وعي مواطني الغد. فلا تتركوا الإحباط ينال منكم، ولا تنكسروا أما العدمية والفساد. احرصوا، حفظكم الله، على ألا تنتجوا لنا من سيضعف أمام الإغراءات، ويترك الوطن رهينة عبث البعض وضعف كفاءات البعض الآخر.
وكونوا على يقين أن التاريخ سيذكركم أنتم، ولو بدون ذكر أسماء كل منكم، ولن يذكر من يحاول إحباطكم أو تغييب أدواركم.
ثقوا أن الأجيال ستظل وفية لذكراكم وهي تقول: "قف للمعلم وفّه التبجيلا… كاد المعلم أن يكون رسولا". تماما كما ستظل الأجيال على العهد وهي تقول، بكل قوة، أن لعنة الله على المغرضين والعابثين وسراق المستقبل.
لكم صادق محبتي ومودتي.