الدين والحياة

فصل الدين عن السلطة.. الجدل قائم والجرأة منعدمة

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز 

فصل الدين عن الدولة، يعتبر واحدا من المواضيع التي تثير جدلا ملموسا كلما طرحت للنقاش، وتتعدد الاعتبارات الماثلة وراء هذا الجدل، خصوصا وأن الشارع المغربي غالبا ما يختزل رأيه في الرفض القاطع الذي لا يفتح مجال النقاش الذي بوسعه أن يثمر الوصول إلى فصل الدين عن الدولة، بل إن الخروج الإعلامي للفاعلين في هذا المجال قصد الدعوة إلى الفصل بين العنصرين، يولد مجموعة من المواقف المعادية التي تصل في أقصى حدودها للتكفير والدعوة إلى استئصال كهؤلاء مفكرين، تحت ذريعة تعدهم من دعاة الفتنة في المجتمع.

يعد المغرب من ضمن الدول العربية، التي تشهد في الظرفية الحالية نقاشا حادا بخصوص الموضوع قيد الحديث القاضي بفصل الدين عن الدولة، الأمر الذي يطرح مجموعة من الإشكاليات خصوصا وأن النقاش لازال في بداياته، بالنظر لغياب الجرأة الكفيلة بتناوله على النحو الصائب الذي لن يفسد حتما لاختلاف الآراء قضية، ولا يسقط في الآن في الخلاف، اعتبارا لكون هذا الأخير العائق الذي يجهض أي محاولة فكرية حتى ولو كانت اجتهادا في بداياته.

في السياق ذاته كثيرة هي القراءات والمداخلات التي تصب في هذا الصدد، والتي تفيد وجود تضارب ملحوظ على مستوى الآراء التي تطبع الجدل الذي يطال إشكالية فصل الدين عن الدولة، غير أن الدراسات العلمية التي يمكن وصفعا "بالمحكمة" والتي تبلي البلاء الحسن في الدراسة والتحليل النافذ، الذي يدلي بدوره بوجهات نظر تنبني على المعطى العلمي اتقاء لشر الوقوع في المغالطات الفكرية.

حسن كوجوط، باحث في علم الاجتماع وناشط حقوقي، يؤكد في تصريح لموقع "الدار" أن  فرنسا على سبيل المثال أقرت العلمانية في دستورها مند سنة 1905، معتبرا العلمانية هي صندوق يسع كل الديانات بدون استثناء ويفرض على الدول أن تلتزم الحياد في المسألة الدينية، وأن لا تفرض أي دين من الأديان على الشعب الفرنسي أو من يتمتع بالجنسية الفرنسية.

 

"العلمانية" تعبد الطريق للعالمية

وأضاف أن العلمانية، هي التي سمحت للديانة الإسلامية والمسلمين أن يستوطنوا في فرنسا وفي العديد من الدول المتقدمة، كما سمحت لغير الديانات ومن اعتقدها أن يستقروا في أراضيها ويؤدون شعائرهم بكل حرية، بالرغم من وجود بعض من هؤلاء المسلمين الذين لا يحترمون دستور فرنسا ولا يحترمون الدولة الفرنسية ومواطنيها وقانونها و علمنيتها. على حد تعبيره.

ويضيف أنه من جهة أخرى تعتبر فرنسا ضحية دستورها الذي يسمح للشعوب "المتخلفة" أن تصنع بالعباد و البلاد ما يشاءون  في بلاد الأنوار. مشيرا أن الحل الوحيد للقضاء على الإرهاب الذي يشكل الهاجس الذي يؤرق الشعوب في فرنسا استئصال الفكر المتطرف.

بخصوص الدولة المغربية يقول ذات الباحث، إنها تعتبر عضوا نشيطا في المنظمات الدولية، وتتعهد بالتزامها بالمواثيق المرتبطة بحقوق و مبادئ وواجبات الإنسان المتعارف عليها دوليا، وهاذا ما أكده الدستور المغربي الجديد في ديباجته، بالنظر لوجود العديد من الاتفاقيات الدولية التي انضم إليها المغرب وصادق عليها منها المتعلقة بالحقوق والحريات، والتي أصبحت جزءا من القانون الوطني، و من بين تلك الحقوق هي حرية الدين الذي لا يجب أن يقحم في شؤون الدولة خصوصا منها السياسية.

 

المغرب دولة إسلامية… لكن بها أقليات

 

يقول الباحث في هذا الإطار، إن الهدف الأساسي من فصل الدين عن الدولة، هو إثبات العلمانية اعتبرا لكونها تشكل مبدأ أساسيا للاشتغال، ومن ثم إقرار حق التدين خصوصا وأن الدولة المغربية تعتبر دولة إسلامية، بالرغم من وجود مجموعة من الأقليات التي لا تعتنق الدين الإسلامي، ولكن يظلون في نهاية المطاف مواطنون مغاربة.

وأشار في السياق ذاته أنه لا يجب أن ننسى أن المغرب وافق سنة 2014 بجونيف على قرار أممي لضمان حرية الدين والمعتقد، و لم يبد أي تحفظ على هذا القرار الأممي الذي يؤكد، حق كل فرد في حرية الفكر والوجدان والـدين أو المعتقـد، بما يشمل حريته في أن يكون أو لا يكون له دين أو معتقد، أو في أن يعتنق دينا أو معتقـدا يختاره بنفسه، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعليم والممارسة والتعبد وإقامة الـشعائر، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، بما في ذلك حقه في تغيير دينه أو معتقده.

 

العرف الحقوقي يتعارض مع الإسلام السياسي

 

وأوضح أن المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقول: «لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر… بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة»

ويشار في هذا السياق أن نفس الحقوق يكفلها الدستور المغربي في الفصل الثالث الذي ينص على أن الدولة، تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية، و"هذا الشرط لا يمكن أن يتحقق إذا لم يتم الفصل بشكل كلي بين الدين والدولة"، بالنظر لتعدد الديانات التي لا تشمل الإسلام فقط إنما تتجازه لتشمل المسيحية واليهودية.

غير أن المظاهر الدالة على التناقضات في هذا السياق متعددة، وهي التي تطرق لها الباحث في نقاط مختلفة، حيث أوضح أننا نجد النقيض في مقرارات مؤسسات الدولة المغربية، إذ أن المجلس العلمي الأعلى الذي يعتبر  المؤسسة الوحيدة في المغرب التي تصدر الفتوى، وهي ممثلة الإسلام الرسمي في البلد تصدر فتوى تعتبر كل من يتخلى عن دينه الإسلام ويعتنق ديانة أخرى مرتدا وجب تطبيق حد الردة في حقه، وحد الردة هو القتل.

 

المعتقد المزدوج… دين لي وآخر لوطني

 

وأوضح أن هذه الفتوى تعتبر بمثابة انتهاك لأبسط الحقوق والحريات المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وخرق لما جاء به دستور 2011، كما نجد تتناقضا واضحا بين مضامين ومرامي الدستور والمواثيق الدولية وبعض الفصول في القانون الجنائي المغربي، مثال الفصل 222 الذي يجرم الإفطار العلني في رمضان، ومن ثم فإن الاحتفاظ بالمبدأ القاضي بربط الدولة بالدين الإسلامي هو الأمر الذي الذي يعتبر المدعاة الأساسية وارء تأجيج الجدل، لأن الإسلام يعتبر جزءا من المجتمع المغربي ولا يمثل الكل، ولهذا السبب بالذات تشتد الدعوة إلى ضرورة الفصل بين الدولة والدين.

ولم يفته في السياق ذاته التأكيد غلى أن الدولة المغربية طبقت هذا الفصل أكثر من مرة في حق مواطنين واعتقلت شخصا في أكادير بسبب تغيير ديانته، و"لا يمكن لأحد أن ينكر أن الدولة المغربية لازالت تنتهك حقوق الانسان،  وهذا يعني أن هناك تناقضا ملموسا بين نصوص قانونية مغربية وبين المواثيق الدولية حول موضوع قضايا الحريات".

 

فصل الدين عن الدولة يضمن حرية المعتقد

ويشدد الباحث في تصريحه أن مسألة حرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة يعتبر  من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الفرد وسط المجتمع، وليس من حق أية جهة أو جماعة أو الدولة بنفسها، أن تتدخل في أمور شخصية للفرد، وليس من حقها أن تفرض دين من الأديان على الشعب، وهو الأمر الذي يحتم على الدولة أن    تكون محايدة في هذا الجانب، بمعنى آخر يجب على الدولة أن تقف على نفس المسافة بين مواطنيها سواء كانوا معتنقين للدين الإسلامي أو دينا آخر، مسلمين أو يهود أو مسيح..لأن الدولة بكل بساطة و في جميع التعريفات لا دين لها.

التقارير الدولية التي تصنف المغرب ضمن البلدان التي تجرم الردة عن الإسلام أو الإلحاد، هي تقارير معقولة و منطقية، هناك تقارير أخرى أجنيبة تتهم الحكومة المغربية أنها تشدد الخناق على معتنقي المسيحية داخل التراب المغربي، ونفس الشيء بالنسبة لباقي المذاهب الإسلامية الغير السنية كالشيعة.

 

المغرب يتسع للجميع

 

وأوضح في معرض حديثه، أن  المغرب هو موطن للإنسان كيفما كان دينه، "ومن يعيش في هذه البقعة الأرضية ليس فقط هم أشخاص يدينون بالإسلام. فعلى هذه الأرض يوجد مغاربي مُلحد أو لاديني، يهودي و مسيحي، مسلم سني أو شيعي وبهائيّ وغيرههم..إذن أليس لديهم الحق في الحياة كيفما يريدون و أن يمارسوا شعائرهم بحرية وبأمن و سلام ؟ ألا ينبغي على هذه الدولة ان تمنح لهم حقوقهم كذلك و تحترم رغبتهم في العيش بأسلوبهم الخاص ؟  فليس من المعقول في القرن الواحد والعشرين أن يشعر غير المسلم السني ببلاده بمضايقات من طرف الدولة او من الطوائف الأخرى،تحت ذريعة الدولة المغربية دولة إسلامية" يقول الباحث ماحدثا لموقع "الدار".

وأشار أنه في هذا الإطار هناك مجموعة من الأفراد الذين يقومون بتغيير دياناتهم لاعتبارات عدة، فتكون النتيجة هي سخط المجتمع الذي لا يقبل الخروج عن الدين الإسلامي، فضلا عن تنزيل مجموعة من القوانين التي تجرم هذه العملية التي تسمى بالردة، ومن ثم فإن  الإبقاء على قانون يجرم الردة سيشكل عقبة أمام تطور المجتمع المغربي وسيؤثر سلبا على ثقافة التعايش التي توارثها الشعب المغربي من أجداده، كما سيكرس اللطائفية و التفرقة والعنصرية في البلاد، المغرب في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى مراجعة قوانينها التي لا تتماشى مع العصر وأن تساهم في نشر ثقافة التسامح و العيش المشترك.

ولم يفته التأكيد على أن الحديث عن الردة في الدين الإسلامي واللاتدين في المغرب تماما يشبه الحديث عن قوانين مغربية، تجد فصل في الدستور يمنح لك الحق في كذا ".." و فصل أخر أو بند قانوني في الجنايات.. ينتزع منك ذالك الحق، نفس الشيء بالنسبة للشريعة الإسلامية، حيث هناك تناقض صارخ بين النصوص، فمثلا نجد القرآن يعج بالكثير من الآيات التي  تدل على حرية الاعتقاد والاعتناق، و على رأسها " لا إكراه في الدين" وتقول الأية الأخرى '' لكم دينكم و لي دين"..لكن عكس ذالك نجده في بعض الأحاديث وفتاوى بعض الشيوخ الذين يعتبرون الردة أغلظ من الكفر الأصلي حيث يؤيدون قتل المسلم المرتد، اعتمادا لبعض الأحاديث النبوية كالحديث الذي يقول: عن بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه ".

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى