الدين والحياة

المقدسات الدينية.. هل نحن بحاجة لقوانين لا تبيح الازدراء

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

تتعدد المعتقدات، وتختلف المواقف الدينية باختلاف الديانة التي يدين بها كل فرد على حدة على اختلاف المجتمعات، غير أن المقدس يظل مقدسا مهما اختلفت المواقف، ومن ثم فإن أي ديانة لها من المحددات ما يفرض قدرا معينا من الاحترام، خصوصا وأن الأمر يتعلق بالثوابت التي تحفظ للدين قدسيته ومكانته الخاصة، من قبيل الطقوس المرتبطة بالعبادة، أو تلك الخطوط المحددة للعقيدة الدينية التي يكتنزها العبد، ويعتبرها بمثابة التعاقد الرباني الذي يتحتم عليه احترامه، ويحظر على البقية التطاول عليها، من خلال إبداء ما يمس بها، أو يلحق الأذية المعنوية. غير أن الوقع يكشف عن العديد من المواقف التي تفيد انتفاء احترام الاختلاف، الأمر الذي يعني التطاول على المقدسات الدينية للآخر.

" تبني النقد البناء… منفذنا للخلاص من التطاول على المقدسات الدينية"

قال عبد الوهاب رفيقي في تصريح خاص لموقع "الدار"، إن واقع الأمر أننا نعيش في عالم مفتوح، ما يتيح المجال لمصادفة العديد من الآراء المتضاربة بخصوص المعتقدات الدينية، وهذا الأمر هو المدعاة الأساسية من وراء قبول المواقف البناءة برحابة صدر،  ومن هذا المنطلق يشدد على ضرورة إصدار قوانين عالمية لا تبيح الازدراء على المقدسات الدينية.

وفي السياق ذاته أكد عبد الوهاب رفيقي أن هذا الأمر لا يمكن أن يؤتي أكله إلا من خلال تعميم هذا المقترح على العامة، بمعنى على أساس أن يكون الأمر في كل المعتقدات، مشيرا أن هذا الأمر يهدف أساسا إلى خلق نوعا من الضبط للتعامل مع الاختلاف العقائدي، لأنه مع ذلك لا يمكن ضبط هذا الباب بفعل الفضاءات التي أصبحت مفتوحة للتعبير عن الرأي الذي يصبح في الكثير من الأحيان مجالا للازدراء والتهكم على الآخر، ومن هذا المنطلق "يجب على الجهات الوصية أن تتحرك في هذا السياق، لتبني مجموعة من القوانين التي تمنع التطاول على المقدسات الدينية، والتي يجب أن تطبق على الجميع بنفس الطريقة وأن يتم تعميمها في كل الديانات، دون أي استثناء يذكر".

وأضاف أنه في السياق ذاته، وبالرغم من الأهمية التي تذهب إلى حدود القداسة التي تطال الديانات والمقدسات المرتبطة بكل دين على حدة، إلا أن هذا الأمر لا يعتبر خطا أحمر أمام النقد ومناقشة الآراء المختلفة في محاولة لفتح مجال الحوار الذي يعتبر العدة الأساسية لتجنب الوقوع في الخلاف بدل تدبير الاختلاف، ومن ثم فهذا الأمر هو الذي يكون سببا مباشرا في التحريض على تبني الفكر المتطرف ، على حد تعبير عبد الوهاب رفيقي في تصريحه لموقع "الدار".

"اختر الديانة التي يركن إليها قلبك"

يشير أحمد البوكيلي الباحث في الفكر الإسلامي، أن الديانات السماوية جميعها، تضع خطا أحمرا أمام مقدساتها، والتي يكون من الجرم التجرؤ عليها، لازدرائها أو التطاول عليها وعدم احترامها، مشيرا أن المعتقد الديني يعتبر حرية شخصية، فمن حق المرء أن يختار الديانة التي يركن إليها قلبه، ومن ثم من حقه أن يمارس طقوسه الدينة وشعائره التعبدية في منأى عن كل ما من شأنه أن يحط من معتقده الديني، مشيرا أن هذا الأمر يظل مجرد كلمات نخطها على الورق ولا يتم احترامها في العديد من الحالات، من خلال التأكيد على العديد من الحالات التي توثق لمشاهد تثبت انعدام التقيد بالمبادئ الأولية لاحترام ديانة الآخر.

حرية الوجدان حق…والواقع السياسي  يؤجج الاختلاف

وعن التوصيات الواجب تفعيلها في أفق احترام الاختلافات العقائدية، وعدم التطاول على المقدسات الدينية، تقول الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي، في تصريح خاص، هذه مسألة لها علاقة بالواقع السياسي المتسم بغياب الديمقراطية وانتهاك الحريات، وانتهاك المقدسات العقائدية ، "لأن الدين في النسق السياسي المغربي آلية للصراع السياسي. توظفه السلطة كما توظفه الأحزاب والجماعات الدينية بشكل كبير في الصراع من أجل السلطة والسيطرة على المجتمع".

وأضافت أن إقرار الحرية الدينية، هو الحل الكفيل الذي بوسعه أن   يزيل من بين أيدي هذه الجهات سلاحا مهما وفعالا للهيمنة والسيطرة الإيديولوجية والسياسية والتي بدورها تمكن من السيطرة على الثروات. "لهذا فهي حريصة كل الحرص على هيمنة الدين وجعله من الطابوهات التي يجرم من يجرؤ على نقاشها بشكل حر أو انتقادها أو المطالبة بتحرير المجتمع من هيمنتها السياسية عليه.

وشددت في السياق ذاته أن قبول الاختلاف واحترام اختيارات الغير، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت إرادة سياسية قوية وحقيقية لإبعاد الدين عن أي توظيف سياسي، وبالتالي فصله عن الدولة. وهذا يعني إقرار العلمانية كأسلوب لتنظيم المجتمع. وهذا غير ممكن في نظام سياسي يبني شرعيته على أساس العامل الديني، ويشكل الخطاب الديني ركيزة أساسية في المنظومة الإيديولوجية التي يتبناها.

"ولهذا فتغيير هذا الواقع لا يمكن أن يتم إلا عن طريق النضال من أجل ديمقراطية حقيقة وفعلية وشاملة لكل المجالات، تمكن المواطنين والمواطنات من حرية التعبير والتنظيم ومن حرية العقيدة والفكر والوجدان، ولكن أيضا من الحقوق كاملة وفي مقدمتها الحق في تعليم عمومي جيد ومجاني ومتوفر للجميع، يمكن من اكتساب المعرفة والوعي والفكر النقدي والقدرة على استعمال العقل ويمكن المواطن من المناعة ضد أي استغلال للدين في الشأن السياسي" تقول الرياضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + سبعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى