القابلية للإرهاب
منتصر حمادة
مع كل اعتداءات إرهابي يطال الساحة، يُعبر العديد من المتتبعين عن مشاعر المفاجأة، ويتم تجديد خطاب الاستنكار والتنديد، على أمل ألا يتكرر الاعتداءات لاحقاً، وهكذا الحال منذ عدة منعطفات تاريخية تورطنا فيه جميعاً، لعل أهمها اعتداءات في 11 سبتمبر 2001.
وبيان ذلك أنه مباشرة بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، سوف نعاين النسخ المحلية للاعتداءات ذاتها في العديد من بقاع المعمور، العربية والإسلامية والأوربية والأسيوية، من قبيل اعتداءات الدار البيضاء وعمان وبالي وجربة وباريس ومدريد ولندن واللائحة تطول [وسوف تطول، وهذا هو بيت القصيد في هذا المقام].
أن يُعبر الرأي العام عن صدمته من وقع اعتداءات إرهابي محسوب على جماعة إسلامية "جهادية"، أمر متوقع، وكذلك الحال إن عاينا نفس المفاجأة في المواقف عند الفاعل السياسي والفاعل الأمني وغيرهم من الفاعلين في مجالات أخرى، بينما الأمر مختلف عندما يتعلق الأمر بالفاعل البحثي، لأن هذا الأخير، لا يحق له التعبير عن الصدمة، إلا إن كان جاهلاً بمقتضى الظاهرة، أو متطفل عليها كما نُعاين ذلك في الساحة المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
هذه الخلاصة تهم الفاعل الديني أيضاً، ولكن نتحدث هنا عن الفاعل الديني الإصلاحي والوطني والغيور على أوضاع الوطن والأمة والإنسانية، ولا نتحدث عن الفاعل الديني الطائفي، أو الفكراني/ الإيديولوجي، ولا بالأحرى الفاعل الديني الذي يُمارس التقية أو الذي يحلم بإقامة "دول الخلافة" بَلْه الفاعل الديني الذي يحلم بتطبيق الرؤية "الداعشية" على المجتمع والنظام والدولة. [من دروس واقعة الصحفي السعودي خاشقجي، أنها كشف عن وجود عقليات "داعشية" تعيش معنا، كنا نعتقد عن صدق أنه لا علاقة لهم بهذه الجهالة الدينية، بل كشفت كذلك عن العديد من أدعياء "الوسطية" والاعتدال"، قبل أن يتضح أنهم يعيشون حالة كمون في انتظار أي فرصة لتطبيق ما يؤمنوا به، وقد طال الأمر حتى بعض الباحثين الذي كنا نعتقد أنهم أخذوا مسافة نهائية من المرجعية الإسلامية الحركية في نسختها الانقلابية أو "القتالية". وواضح أن هؤلاء بعض ضحايا "غسيل الدماغ باسم الدين" والدين براء من هذه الغسيل].
يكفي تأمل تفاعل عقلنا الجمعي مع واقعة الاعتداء الإرهابي الأخير الذي طال المنطقة، أي الهجوم على حافلة للأقباط في المنيا جنوب مصر ــ الذي تمّ يوم الجمعة 2 نونبر الجاري، وأودى بحياة سبعة أشخاص على الأقل وأصيب 17 آخرون ــ حيث نُعاين بالكاد صدور بعض المتابعات الإعلامية هنا وهناك، من فرط التطبيع مع هذه الاعتداءات، دون الحديث عن خطاب الشماتة في مصر (الدولة/ النظام) بسبب تطورات أحداث "الفوضى الخلاقة" التي تطال المنطقة، حتى إن الصفحة الرقمية على موقع "تويتر" لإحدى فضائيات الساحة، ونُصنفها في خانة "فضائيات الفتنة" أو "فضائيات الفوضى الخلاقة"، تحدثت بالتحديد عن لائحة العمليات الإرهابية التي طالت أقباط مصر في عهد الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي.
بل شاءت الأقدار أنه في نفس اليوم الذي يطال فيه اعتداءات إرهابية أقلية مسيحية في مصر، ينشر موقع إخباري مغربي، محسوب على المرجعية السلفية الوهابية، مادة إخبارية، تضم إحالات نقدية ضد مبادرة قامت بها دولة خليجية مؤخراً على هامش استضافة صناع إقرار هناك لبعض الفاعلين من المرجعية المسيحية، وتمّ ربط المبادرة بمواقف التطبيع الذي تمهد لها الدولة المعنية!
نحن نتحدث هنا عن بعض مؤشرات القابلية لتكرار هذه الاعتداءات، دون استحضار باقي المُحددات التي تغذي الظاهرة، من قبيل تواضع الأعمال النقدية للخطاب الجهادي، سواء كانت صادرة عن مؤسسات دينية أو عن أقلام بحثية وازنة؛ تواضع مشاريع الإصلاح الاقتصادي موازاة مع الإصلاح التعليمي والإعلامي، تواضع أفق الإصلاح السياسي، وغيرها من المُحددات، أما في حال إضافة المُحددات الخارجية، ولا تقل خطورة، من قبيل التلاعب الإقليمي والدولي بالمشاريع "الجهادية"، كما عاينا ذلك بشكل صريح بُعيد اندلاع أحداث "الربيع العربي"، أو أحداث "الفوضى الخلاقة"، فإن الحديث حينها عن "نهاية الإرهاب"، يُصبح أضغاث أحلام أو جهل بواقع ومُحددات الظاهرة.
ولكن قبل ولوج هذا المقام من الحُلم، مشوار طويل وشاق ينتظرنا جميعاً، عنوانه سحب البساط عن مجموعة من المُحددات الذاتية، وهذه مهمة جماعية، ينخرط فيها صناع القرار والرأي العام، النخبة والعامة، وليس صدفة أنه في أولى التفاعلات الرسمية لصناع القرار في المغرب مع اعتداءات الدار البيضاء سيئة الذكر، ليوم 16 ماي 2003، أقرّ ملك البلاد بالمسؤولية الجماعية قائلاً: "كلنا مسؤولون".
فهل تحمل الجميع مسؤوليته في الانخراط النظري والجماعي، أم أن الأمر لا زال متواضع الأداء هنا أو هناك؟
وحده الزمن النقدي الذي لا يرحم، من سيتكلف بالإجابة الصريحة والواضحة على هذا الجواب، وإن كانت ملامح الأجوبة، وبالتفصيل، بادية للمتتبعين في المنطقة، حيث التباين في الأداء، والتواضع في التفاعل.
لقد تحدثنا هنا عن المشهد في المنطقة، ونزعم بيقين كبير أن هذه المؤشرات السلبية تطال حتى الدول الأوربية، التي لا زال بعض صناع القرار هناك، يروق لهم اللعب بالورقة الإسلامية الحركية، على حساب مصالح الشعوب الأوربية، وهذا موضوع آخر.