دراسة ترصد ضوابط التعارف في الاسلام بين مقصدي الخلق والتشريع
الدار/ خاص
في عز العوائق الاجتماعية، والنفسية والثقافية، والدينية أيضا، التي يتذرع بها البعض، لتبرير انعدام التعارف بين الشعوب، والثقافات، رصدت دراسة بحثية لمجلة “الاحياء”، الصادرة عن الرابطة المحمدية للعلماء، مفهوم “التعارف” بين مقصدي الخلق والتشريع، حملت توقيع الدكتورة كلثومة دخوش، عضو المجلس الاكاديمي للرابطة.
واستهلت الباحثة دراستها بالتأكيد على أن “إدراك مقاصد الشريعة وفهم أسرارها له مدخل عظيم في فهم أحكامها، وفي استنباط المزيد من هذه الأحكام وتنزيلها في واقع الناس على اختلاف الأزمنة والأمكنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وذلك ما يُدرك به صلاح هذا الدين الخاتم لكل زمان ومكان وإنسان”.
وأشارت الى أن معرفة مقاصد الشريعة أصبحت في عصرنا أشد أهمية، وأضحت الحاجة إليها أكبر؛ لأن فهم هذه المقاصد هو الباب الذي يفتح أمام المسلمين آفاقا جديدة في مجال تنزيل الفقه على الواقع الذي أصبح أكثر تعقيدا تحت ضغوط المستجدات وكثرتها، كما أن فهم علل الأحكام ومقاصدها من شأنه أن يجيب عن أسئلة كثيرة مما يتعلق بمعرفة المسلم لذاته في علاقته بمحيطه، وفق ما يريده له خالقه، وبذلك يعود المسلمون إلى دورهم الحضاري الرائد، ويتمكنون من تحقيق العيش الكريم في ظل تشريع رحيم يحقق لهم مصالحهم في معاشهم ومعادهم”.
وأكدت الدكتورة كلثومة دخوش أن “معرفة مقاصد الخلق لا تقل أهمية عن معرفة مقاصد الشريعة، وذلك لدورها في تعرف الإنسان لدوره ورسالته في هذا الوجود، مما يساعده على السير وفق ما يرضي خالقه وخالق الوجود كله”، مشيرة الى أن المقصود بالخلق هنا هو الخلق بمعناه المصدري، ومقاصده هي تلك التي ورد ذكرها في مجموعة من النصوص القرآنية والحديثية منها قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)، وقوله عز من قائل: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)..
وبعد استعراضها لجملة من النصوص الحديثية والآيات القرآنية التي تؤكد على حتمية وأهمية التعارف بين بني البشر، والمقاصد التي توخاها الشرع من التعارف، أوضحت الأستاذة الباحثة أن نصوص قرآنية وحديثية عدة، أقرت التعارف، مع الدعوة إلى استثمار هذا الاختلاف في تبادل المنافع وفي تحقيق التكامل بين الناس، مع دعوة المسلمين إلى تعلم لغات غيرهم حتى يسهل التواصل بينهم”.
وأضافت عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء أن التعارف بين المسلمين وغير المسلمين، يخضع لجملة من الضوابط، تجعله يحقق مصالح المسلمين، ويدفع الضرر عنهم، ومن جملة هذه الضوابط :ـ أن يكون منطلق هذا التعارف من ندية كاملة بين الطرفين حتى يتبين الحق وأصحابه،ـ أن يكون هدف المسلمين من هذا التعارف هو تبليغ الدين للناس كافة وتعريفهم به، أن يكون من أهداف التعارف الإضافية الحصول على ما عند الآخر من معرفة ونفع، أن يبتعد المسلم ممن لم يحصلوا قوة الفهم والمعرفة بالدين عن كل ما يُخاف منه على دينه وعقيدته، مع ضرورة أن يكون التعارف مع الآخر مبنيا على الحوار البناء بعيدا عن التعصب للرأي الشخصي الذي قد يصيب وقد يخطئ، وأن ينطلق في حواره من الأمور المشتركة، وأن يترك لغيره التوصل إلى الحق والاعتراف به.
وخلصت الدكتورة كلثومة دخوش الى أن ” التعارف مطلوب شرعا، وأنه قد يكون منه ما هو ضروري كما سبق عند الحديث عن علاقته بالكليات الخمس، وقد يكون منه ما هو حاجي عندما يتعلق بالعلاقات التي يقوم بها المسلم مع المسلمين ضمن تبادل المنافع من تجارة وصناعة وغيرهما، وقد يكون منه ما يتعلق بتبادل المعرفة في مجالات يشق على المسلم الاستغناء عنها مما سبقنا غير المسلمين إلى اكتشافه كما هو الحال بالنسبة، مثلا، لوسائل الاتصال، ومجال البحث العلمي في ميدان الطب وسائر ما يدخل في باب الحكمة التي يطلب من المسلم المواظبة على طلبها ومحاولة الظفر بها”.