إسقاط البرلمان لحكومة الجملي ضربة قوية لإسلاميي تونس
النوّاب التونسيّون يرفضون بأغلبية 134 صوتا منح الثقة للحكومة التي قدّمها رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي.
شكل رفض البرلمان التونسي بأغلبية واسعة منح الثقة لمرور تشكيلة حكومة الحبيب الجملي ضربة قوية لحركة النهضة الإسلامية، وخطوة مهمة للرئيس قيس سعيد لاختيار مرشح جديد لرئاسة الحكومة.
وكان الجملي محل انتقادات واتهامات منذ اليوم الأول لتكليفه تشكيل فريقه الوزاري، مرورا إلى قاعة البرلمان الذي رفضه بواقع 134 صوتا.
ورفض النوّاب التونسيّون أمس الجمعة منح الثقة للحكومة التي قدّمها الحبيب الجملي، وهو ما سيُعيد إطلاق مفاوضات شاقّة لتشكيل حكومة بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعيّة.
وبعد يوم طويل من النقاشات، صوّت 72 نائبًا لصالح منح الثقة للحكومة، فيما صوّت 134 ضدّ منحها إيّاها، وأعلن ثلاثة نوّاب تحفّظهم.
ورئيس البلاد قيس سعيد لديه الآن عشرة أيّام لاختيار شخصيّة جديدة يُكلّفها تشكيل حكومة تكون مقبولة من المجلس.
من جانبه أكد الحبيب الجملي أنه “غير نادم على قبوله مهمة تشكيل الحكومة” في تونس ، قائلا إن “نواب الشعب مارسوا صلاحياتهم الدستورية كممثلين للشعب”.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية اليوم السبت عن الجملي قوله، عقب فشله في نيل موافقة البرلمان على حكومته المقترحة: إن “نواب الشعب خذلوا بلدهم في هذه المرحلة، وإن كانوا في المقابل، قد مارسوا صلاحياتهم الدستورية كممثلين للشعب”.
وأضاف الجملي، في تصريح إعلامي، ليل الجمعة / السبت، إثر رفع الجلسة العامة للبرلمان، والتي انطلقت منذ العاشرة من صباح أمس الجمعة :”لا استطيع أن أجزم أن هناك من سعى لإسقاط الحكومة، وأنا إلى اليوم مقتنع بأن الخيار الأصلح لتونس هو حكومة مستقلة بنفس القدر عن كل الأحزاب”.
وأرجع اقتناعه بهذا الخيار إلى “عدم وجود أحزاب وازنة”، وإلى تعدد مكونات المشهد البرلماني، ما سيؤدي، في تقديره، إلى “تواصل الخلافات والصراعات بين الأحزاب المشكلة للمجلس النيابي”.
وبخصوص تصويت بعض نواب النهضة ضد منح الثقة لتشكيلته الحكومية، قال الحبيب الجملي إن حركة النهضة، التي منحته تفويضا لتشكيل الحكومة في نوفمبر الماضي “لم تخذله، وصوتت لفائدة حكومته، لكن لكل حزب حساباته وتقديراته”، حسب قوله.
وأعلنت الكتل النيابية لأحزاب “قلب تونس”، و”حركة الشعب”، و”الإصلاح الوطني”، و”المستقبل”، و”تحيا تونس”، الجمعة، أنها ستقدم مبادرة وطنية بشأن المشاورات القادمة.
جاء ذلك في كلمة لرئيس حزب “قلب تونس”، نبيل القروي، خلال مؤتمر صحفي عقد بالبرلمان عقب الجلسة العامة التي فشلت فيها حكومة، الحبيب الجملي، في نيل ثقة البرلمان.
وتابع القروي قوله “نطمئن التونسيين بأننا لسنا ذاهبين نحو المجهول وبأنه هناك ضمانات دستورية وهناك رئيس جمهورية والبرلمان”
وأضاف “سنجتمع لاحقا مع هذه الكتل التي تفوق 90 نائبا، لتقديم مبادرة وطنية لبقية الأحزاب والكتل وأيدينا ممدودة للجميع وسنتشاور مع باقي الأحزاب والكتل طبقا للدستور بشأن المرحلة القادمة من تشكيل الحكومة.”
وقال مبروك كورشيد النائب عن حركة “تحيا تونس”: “كلنا اليوم يد واحدة حتى تكون هناك حكومة انقاذ وطني تليق بتونس في ظرف اقليمي وداخلي خطير .. وفي وقت يجابه فيه التونسيون الفقر والظروف الصعبة”.
وحسب الفصل 89 من الدستور التونسي وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حال عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
ورشّحت النهضة، الحزب الأوّل في البرلمان (52 مقعدًا من مجموع 217)، الجملي في منتصف نوفمبر الفائت وقدّمته على أنّه شخصيّة مستقلّة لتشكيل حكومة طرحها بدون إشراك الأحزاب، في 2 يناير، وتتكون من 28 وزيرا و14 كاتب دولة.
وفي وقت سابق، قدّم الجملي في كلمته أمام النواب فريق عمله وبرنامجه، وقال “اختيارنا للفريق الحكومي كان صادقا ووفق منهجيّة موضوعيّة ولن نتردّد في الإصلاح اذا تبيّن أنّ هنالك خطأً في اختيار احد الأعضاء”.
وجدّد تأكيده على أنّ “الفريق الحكومي يتكوّن من كفاءات مستقلّة ومنفتحة على كلّ الأحزاب ومنظّمات المجتمع المدني”، لكنّ التشكيلة واجهت في المقابل انتقادات شديدة من الأحزاب السياسية.
وكان رئيس البرلمان راشد الغنوشي افتتح في وقت سابق الجلسة، قائلا إنها جلسة “طال انتظارها”.
وقد جدد مجلس شورى النهضة ليلة الخميس-الجمعة تأكيده على دعم حكومة الجملي ودعا كل الكتل البرلمانية للتصويت لها.
وأعلن رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني للصحافيين أن “كتلة النهضة ستكثف من مشاوراتها مع الكتل الأخرى ونحن متفائلون وليس مسموحا الفشل في تشكيل حكومة” معتبرا أن “هناك انقسامات داخل الأحزاب” التي أعلنت رفضها التصويت.
وفي المقابل حزب “قلب تونس”، ثاني أكبر الكتل البرلمانية (38 نائبا) قرر الخميس أنه لن يصوت للحكومة المرشحة “لعدم استقلالية معظم الوزراء المقترحين عكس ما أعلن عنه رئيس الحكومة المكلّف ولعدم تحييد وزارات السيادة”.
كما أعلن رئيس حزب التيار الديموقراطي (22 نائبا) الأربعاء أن كتلته البرلمانية “لن تصوت للنهضة”.
إلى ذلك، رأى مراقبون أنّ وزارات السيادة في التشكيلة الحكومية المقترحة مُنحت لشخصيّات مقربة من حزب “النهضة” وفي غالبيتهم قضاة كما ان القرار بتغيير بعض الأسماء من اجل نيل الثقة مؤشر على “غياب الجدية”.
وتمكنت تونس منذ ثورة 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، من تحقيق نجاحات في انتقالها الديموقراطي من الجانب السياسي، غير ان هذا النجاح يصطدم بواقع اقتصادي أقل ما يوصف بكونه صعب.
وركّز برنامج الجملي الذي قدمه في البرلمان على الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي ملفات حارقة تنتظر حكومة بسند برلماني قوّي باستطاعتها الاستجابة للمطالب المعيشية للتونسيين.
وقال الجملي بهذا الصدد إنّ توجهه الأساسي هو “مكافحة الفقر والخصاصة وغلاء المعيشة… والتحكم في التوازنات المالية ودفع نسق النمو”.
كما قال إنّه سيتّخذ “إجراءات جريئة لدفع الاستثمار واسترجاع ثقة المستثمرين والنهوض بالقطاع الصناعي”.
غير ان المؤشرات الاقتصادية لا تطمئن التونسيين، حيث لا تزال نسبة البطالة في مستوى 15,1 في المئة والتضخم 6,3 في المئة ونسبة النمو بحدود 1,4 في المئة بينما يبلغ العجز في الموازنة 3,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74% وبلغت 7% في العام 2018 من حجم الناتج الاجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي الذي منح العام 2016 قرضا بقيمة 2,9 مليار دولار لتونس صرف منها 1,6 مليار دولار على أربع سنوات مقابل القيام باصلاحات اقتصادية واسعة على ان يتم سداده اعتبارا من 2020.
المصدر: الدار- وكالات