بقلم: يونس التايب
لا شك أن المشاركة في الانتخابات حق ومسؤولية، و واجب وطني. كما أن عدم المشاركة فيها، هو أيضا حق مكفول بقوة القانون و حرية لا ينازع فيها أحد. لكنني أعتقد أنه حق أثره السلبي أكبر من نفعه، إذا افترضنا جدلا أن في العزوف الانتخابي نفعا يذكر. ولعل أول المتضررين من العزوف هم الأشخاص الذين يقاطعون الانتخابات، لأن موقفهم يجعلهم خارج اللعبة، لا يساهمون في اختيار من يفوز و من ينهزم في الانتخابات، و لا يقررون في من يجب أن يسير شؤونهم العامة، وطنيا و جهويا و محليا.
لذلك، يستفز “الحق في الامتناع عن التصويت”، أسئلة منطقية لمعرفة مدى وجود فائدة عملية وجدوى في عدم المشاركة في الانتخابات. بالدارجة : شنو كنربحو كمواطنين إذا قاطعنا؟؟ و شنو كتربح البلاد إذا ما شاركوش بزاف ديال الناس في الانتخابات ؟؟
و دون العودة كثيرا إلى الوراء، أعود بذاكرتكم إلى انتخابات 2011 و 2015 و 2016، و أقول لمن يدافعون عن عدم المشاركة في انتخابات 8 شتنبر 2021، و ينتقدون كل شيء بخصوصها، هذه أسئلتي :
1- ماذا حققت عمليا، دعوات العزوف الانتخابي السابقة، من فائدة للمواطنين، و من مكتسبات للحياة السياسية وللديمقراطية؟؟
2- أي تحسن تم تسجيله في تدبير المدن والجماعات القروية و الجهات، بعد امتناع مواطنين عن المشاركة في الانتخابات السابقة ؟
3- هل توقفت الحياة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، لأن بعض الناس غضبوا من الأحزاب و من المرشحين و من العملية الانتخابية، و اختاروا الغياب عن المشاركة في الانتخابات و قاطعوا المسلسل بكامله ؟
4 – هل أدى غياب “من قرروا عدم المشاركة” إلى تحسين مستوى التدبير العمومي و تطوير السياسات العمومية القطاعية، كأثر مباشر للعزوف الانتخابي ؟
5- هل استطاع “من قرروا عدم المشاركة” التأثير في مجريات العمل الحزبي و السياسي، ونجحوا في فرض تطوير الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية ؟
6- هل تحقق من جراء “العزوف وعدم المشاركة”، فرض حضور الكفاءات و الشباب في المشهد الحزبي، و في المسؤوليات العمومية؟
7- هل تحقق بفعل العزوف الانتخابي تنزيل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟
8 – هل استطاع “من قرروا عدم المشاركة” المساعدة في رفع القدرة الشرائية، و تحسين جودة التعليم العمومي و الصحة العمومية، والحفاظ على البيئة، و خلق فرص شغل جديدة للشباب كنتيجة مباشرة للعزوف الانتخابي والسياسي؟
9- هل تمكن “العازفون والمقاطعون” من إزالة المظاهر الفاسدة التي تسيء إلى الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب و في الانتخابات ؟
10- هل استطاع العزوف الانتخابي إنهاء وجود السماسرة، ودفع الأحزاب إلى القطع مع تزكية “الكائنات الانتخابية”، و ساهم في اختفاء ظاهرة الترحال السياسي ؟
أبدا … لا شيء من كل ذلك تحقق، يمكن احتسابه كأثر مباشر لغياب “من قرروا عدم المشاركة في الانتخابات السابقة”، عن الإدلاء بأصواتهم و اختيار منتخبيهم. بل، لا شيء مما كان “العازفون” ينتقدونه ويعتبرونه سببا لعدم المشاركة، قد توقف عمليا و اختفى من الساحة، كنتيجة لعزوفهم الانتخابي. على العكس، استمرت الحياة بمن نجحوا في الانتخابات و بمن شاركوا فيها. و تشكلت الحكومة بأغلبية الأحزاب التي فازت في انتخابات لم يعبر فيها “العازفون” عن أصواتهم. واتخذت الحكومة سلسلة قرارات تؤثر في حياة الناس، بدعم من البرلمانيين الذين انتخبوا رغم غياب ذلك الجزء من الناخبين الذين قرروا العزوف. و في الجهات، انطلقت مشاريع صادقت عليها المجالس التي انتخبت في غياب العازفين و المقاطعين، و صادقت الجماعات الترابية على مخططات التنمية الجماعية، و تمت برمجة الميزانيات اللازمة لذلك. و تم إطلاق أوراش مختلفة، برئاسة مكاتب و رؤساء الجماعات الذين نجحوا في نفس تلك الانتخابات التي قرر البعض عدم المشاركة فيها.
هذه هي الحقيقة التي لا يشرحها للناس من يدعون إلى المقاطعة الانتخابية و العزوف السياسي. و ما لا يقوله هؤلاء، هو أن نسبة المشاركة، و إن كانت مهمة في العمليات الانتخابية، إلا أنها لا تلغي شرعية الانتخابات حتى لو كانت نسبة المشاركة فيها فقط 20%، و نسبة المقاطعة والعزوف هي 80%. بمعنى أن نسبة المشاركة، حتى لو نزلت عن المستوى المرجو، لا يؤدي ذلك إلى نزع الشرعية عن الانتخابات. فقط، يتم تسجيل الحالة، ويتم الحديث عن “ظاهرة العزوف الانتخابي” باعتبارها شكلا احتجاجيا جديدا، يتم حصر النقاش حوله داخل الندوات الفكرية و في المؤتمرات الحزبية، باعتبارها نقطة من ضمن نقط كثيرة أخرى تؤثر في جودة الممارسة الديمقراطية، تستحق أن تناقش بغرض البحث لها عن حلول تساعد في تجويد العمل الحزبي و السياسي. ثم تستمر الحياة و تستمر المؤسسات في عملها في غياب من يمارسون التنظير الطوباوي خارجها.
لذلك، أقول لكل من يحبون هذا الوطن :شاركوا في الانتخابات ومارسوا حقكم في الاختيار، و اقطعوا الطريق على من لا يسعون لبناء المستقبل الذي تستحقونه أنتم و أسركم و أبناء الشعب جميعا.