افتتاحية الدار: رسالة الرئيس الألماني تصحح أخطاء ميركل
الدار/ افتتاحية
في افتتاحية الدار ليوم 22 ديسمبر الماضي ثمّنّا الموقف الإيجابي الذي عبرت عنه الخارجية المغربية وهي تفتح ذارعيها للحكومة الألمانية الجديدة ومستشارها المنتخب من أجل تصفية الخلافات وطي أزمة الأمس القريب. ولم يتأخر التفاعل الإيجابي مع موقف المغرب كثيرا حتى عبرت ألمانيا على لسان رئيسها فرانك فالتر شتاينماير عن مواقف جد مبشّرة بقرب الانفراج النهائي وعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها. هذا ما نفهمه من مضامين بلاغ الديوان الملكي الذي قدم مؤشرات عديدة وواضحة على أن مختلف النقاط الخلافية بين البلدين ربما تجد طريقها قريبا إلى الحل. فلأول مرة تعبر السلطات الألمانية عن تزكيتها المعلنة لمقترح الحكم الذاتي وتعتبره “أساسا جيدا” لتسوية قضية الصحراء المغربية، كما أنها لم تجد بدًّا من تثمين الجهود المغربية في محاربة الإرهاب.
إن قراءتنا لبلاغ الديوان الملكي تُظهر بجلاء أن القرار الذي اتخذته السلطات المغربية عندما قررت وقف التعامل مع السفارة الألمانية بالرباط كان في محله، وآتى ثماره المنشودة. فالسبب الأخطر الذي دفع المغرب إلى موقف كهذا كان هو تلك الدعوة التي وجهتها ألمانيا إلى مجلس الأمن من أجل الانعقاد لمناقشة قضية الصحراء المغربية عندما قرر المغرب بكل سيادة التدخل من أجل طرد المرتزقة من معبر الكركرات الحدودي. لقد كانت ألمانيا البلد الأوربي الوحيد الذي سارع إلى إثارة هذا الموضوع على الرغم من أن جل الدول الأخرى دعمت الموقف المغربي وأيدت ضرورة تحرير طريق للتجارة الدولية مثل معبر الكركرات. واليوم تعبر ألمانيا عن موقف تاريخي بالنسبة لرأيها في قضية الصحراء المغربية وهي تزكي مقترح الحكم الذاتي المغربي.
أما السبب الثاني الذي كان وراء اتخاذ المغرب لقرار وقف التعامل مع السفارة الألمانية بالرباط فيرتبط بالملف الليبي. لقد عمدت ألمانيا في يونيو الماضي إلى استثناء المغرب من قائمة البلدان التي شاركت في مؤتمر برلين الدولي الذي خصص للتداول في الشأن الليبي، على الرغم من أن المغرب كان من بين الدول الإقليمية التي بذلت جهودا جبارة لحل النزاع وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين باحتضانه لمفاوضات الصخيرات الشهيرة. ومن المؤكد أن تعبير الرئاسة الألمانية عن “امتنانها للانخراط الفعال لصاحب الجلالة من أجل عملية السلام بليبيا” ينطوي على نوع من الاعتذار الضمني عما قامت به الحكومة الألمانية السابقة بإقصاء المغرب من هذا المؤتمر، وتجاهل دوره في المنطقة المغاربية.
ولم تكتف رسالة رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير بمحاولة معالجة هاتين النقطتين فقط، بل لم ينس الرئيس الألماني أن من بين أسباب القرار المغربي بوقف التعامل مع السفارة الألمانية تلك المواقف غير الرسمية التي تم التعبير عنها في بعض المواقع الإعلامية ومراكز البحوث وكشفت عن توجهات ألمانية غير معلنة تؤمن بضرورة وقف الصعود المغربي الإقليمي من خلال دعم الجزائر بدعوى خلق نوع من التوازن في المنطقة، وعدم تكرار تجربة تركيا. ولهذا أبرز بلاغ الديوان الملكي مقطعين مهمين من الرسالة الألمانية صرح فيهما الرئيس شتاينماير بأن المغرب قام تحت قيادة الملك محمد السادس بإصلاحات واسعة، مذكرا بـ”دعم ألمانيا المستمر والقوي للتطور الرائع للمغرب”.
لقد حاولت الرسالة الألمانية الإجابة عن كل الأخطاء التي راكمتها الحكومة السابقة بقيادة المستشارة أنجيلا ميركيل، وهي الأخطاء التي تعامل معها المغرب بكل أناة وصبر، وانتظر من الطرف الألماني التراجع عنها أو تصحيحها في أوقات سابقة. كما أن المغرب لم يتخذ موقفه بناء على خطأ أو خطأين، بل إن القرار كان مستندا إلى تراكمات ظهر من خلال تعاقبها والسياق السياسي الذي جاءت فيه أن الأمر يتعلق بنهج رسمي للدولة الألمانية يهدف ربما إلى انتزاع مصالح معينة أو ممارسة نوع من الابتزاز ضد بلد صديق كالمغرب كان دائما إلى جانب ألمانيا ومساهما في استقرار المنطقة وفي تطور العلاقات معها.