
يحتضن رواق DAR D’ART بمدينة طنجة معرضا للفنان التشكيلي المغربي حسن الشاعر من 24 فبراير الجاري إلى غاية 24 مارس المقبل.
وتقيم أعمال هذا المعرض التشكيلي حوارا مع قصائد الشاعر السوري الكبير نوري الجراح، كما يشهد افتتاح المعرض قراءات شعرية يقدمها نوري الجراح، مع توقيع كتاب “النشيد الدامي”، وهو مختارات من شعر الجراح، أعدها وقدم لها الشاعر والكاتب المغربي مخلص الصغير، وتتضمن رسومات وأعمالا تشكيلية للفنان حسن الشاعر.
وحسن الشاعر هو خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان سنة 1987، وخريج مدرسة الفنون الجميلة بآميان/ فرنسا 1990، ومدرسة الفنون الجميلة بأنجي/ فرنسا 1992. عمل أستاذا بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان منذ 1994، مثلما اشتغل أستاذا لفنون الصورة في كلية الآداب بتطوان، وفي المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، والعديد من المعاهد الوطنية.
أقام حسن الشاعر معارض تشكيلية في عدد من البلدان، من بينها لبنان ومالي وجنوب إفريقيا وإيطاليا وبلجيكا واليابان وإسبانيا وفرنسا وتونس والولايات المتحدة الأمريكية. كما قدم أعمالا فنية شعرية مشتركة رفقة عبد اللطيف اللعبي وكاتي خورادو وحسن وهبي وفيليب غيغي دوبولون ونوري الجراح.
عن هذا المعرض يقول الشاعر والكاتب مخلص الصغير إن حسن الشاعر يرتاد أفقا جديدا وهو يشتغل على الشعر، متجاوزا تقديم رسومات مصاحبة أو تشكيلات مجاورة للقصيدة، أو إعادة التشكيل الخطي للنصوص الشعرية، على غرار التجارب الكاليغرافية وغيرها من التخطيطات والأعمال التي ترافق الديوان الشعري من غلافه إلى متنه فظهر الغلاف. بينما يقدم حسن الشاعر أعمالا فنية معاصرة يستلهم فيها المرتكزات الجمالية لفن الأداء، حيث يؤدي العمل الفني دور القصيدة في الفضاء، من خلال لوحات وأعمال في هيئة منشآت أو معلقات معاصرة، أو “أرواح معلقة”، كما هو اسم هذا المعرض الفريد.
وبهذا، يساهم هذا الفنان التشكيلي في الدفع بالشعر إلى منصات الفنون المعاصرة، وجعل القصيدة تعتلي الركح الأدائي، وتخرج من بين دفتي الكتاب (الديوان) لتعانق الحياة، ولتحلق في فضاء العرض البصري. هنا حيث تتدلى أعمال هذا المعرض في هيئة معلقات تشكيلية وشعرية تذكرنا بميلاد القصيدة العربية الأولى، والذي كان ميلادا تشكيليا، من حيث التشكيل البصري، أو من حيث العرض والأداء.
وإلى جانب القماش، وحوامل أخرى، يوثر حسن الشاعر الاشتغال على الورق، كلما تعلق الأمر بالشعر، الورق بما هو جسد القصيدة، وقد تحول إلى موضوع لاشتغال فني. على أساس أن الورقة هي الأرض المشتركة ما بين الشاعر والتشكيلي، حيث يرقى التشكيلي بالقصيدة إلى مادة فنية بصرية، ليجعلنا نشاهد القصيدة، لا أن نقرأها أو ننصت إليها فحسب. وهو ما يقدم لنا تأويلات جديدة، ويضعنا في مواجهة طبقات من المعاني المتعددة التي تطرحها الفنون البصرية.
وبحسب مخلص الصغير، فإن تعاقب الأبيض والأسود في هذا المعرض إنما يحيلنا على جدلية الاشتعال والاحتراق، وهي جدلية شعرية، على غرار فراشة الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، تلك التي تعشق الضوء، وتقترب من نار العشق، فتحترق في سبيل من تحب، وفي سبيل الوصول إلى الحقيقة.
في هذا السياق والمساق، ثمة مشترك بين تجربة حسن الشاعر ونوري الجراح قبل أن يلتقيا معا في مشروع فني. فحسن الشاعر، ومنذ التسعينيات، اشتغل على استعارة “الاحتراق”، إحراق جواز السفر من قبل المهاجرين السريين، حتى لا يتم ترحيلهم إلى بلدهم الأصل في حال اعتقالهم. ومن هنا جاءت تسمية “الحريك” في توصيف ظاهرة الهجرة السرية التي عرفتها الدول المهاجرة في فترة التسعينيات وما بعدها.
وهي المشهد المتوسطي نفسه الذي عشناه مع التغريبة السورية الكبرى، وحركة المهاجرين واللاجئين الهاربين من الجحيم العربي، في بداية العقد الثاني من هذه الألفية، مع اندلاع حرائق الربيع العربي الملتهب، حين تفحمت الكثير من الأشجار واقفة، أو احترقت غارقة في حوض “الأسود” المتوسط.
بحسب مخلص الصغير وبنوع من التأويل، غير المفرط، أمكن القول إن أعمال هذا المعرض ضاجة بالألوان، ولكنها احترقت وتفحمت حتى استحالت إلى سواد ورماد. فالألوان في العمل الفني إنما تجذب المتلقي، وتجعله ينبهر بها ويستسلم لإغرائها… أما عندما تغيب هذه الألوان عن أعمال حسن الشاعر يصبح المتلقي/ المشاهد مطالبا بالسؤال، ومعنيا بقراءة الأفكار، والانتباه إلى تركيب المواد والعناصر، وحدود الكتل والأحجام، انعكاس الأضواء والخطوط والظلال.
الدار: و م ع