أحلام العصر عند الكابرانات.. الساحل الجزائري يتمدد بأزيد من 500 كيلومتر
أيّ ذبابة استوائية هذه التي تلسع المسؤولين الجزائريين بين الفينة والأخرى حتى يتحفونا بنوادرهم التي لا تنتهي؟ ما يكاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يتوقف قليلا عن تصريحاته المضحكة حتى يقلده أحد الوزراء أو المسؤولين أو البرلمانيين الجزائريين بتصريحات أقل ما يقال عنها أنها حمقاء أو خرقاء أو خارج السياق. آخر هذه التحف التي يبدعها الوزراء الجزائريون هي إعلان وزيرة البيئة والطاقات المتجددة الجزائرية فازية دحلب، أمس الاثنين أن طول الساحل الجزائري قد انتقل من 1.622 كم إلى 2.148 كم. نعم يا سادة، لقد زاد طول ساحل الجزائر على البحر الأبيض المتوسط بما يعادل 526 كيلومترا. لم يزد بـ 526 مترا أو سنتمترا، بل بـ 526 كيلومترا.
ويبدو أن على الشعب الجزائري أن يفرح وهو مقبل على موسم الاصطياف بهذه الزيادة الشاطئية الهائلة التي ستستجيب لانتظارات المصطافين الجزائريين وتمكنهم من الاستمتاع ببرودة مياه البحر بعيدا عن الازدحام والتدافع الذي يميز عادة الشواطئ الجزائرية. لكن السيدة فازية دحلب لم تكشف في المعطيات التي قدمتها عن المدة التي استطاع خلالها الساحل الجزائري أن يطول بهذه المسافة كلها، أو إن كانت هذه الكيلومترات الزائدة عربون محبة تقدم به الرئيس التونسي قيس سعيد لشقيقه عبد المجيد تبون. لأننا لأول مرة نعرف ونكتشف أن السواحل والأراضي يمكن أن تزيد مسافتها بهذا الحجم الهائل، وأن الشواطئ تتمدد بفعل عوامل لا أحد يعرفها غير وزيرة البيئة الجزائرية على ما يبدو.
الساحل الجزائري المتوسطي تم قياس مسافته منذ عقود طويلة من الزمن في عهد الاستعمار الفرنسي، وهذه القياسات التي قدمتها السلطات الفرنسية دقيقة للغاية إلى درجة أنها هي المعتمدة في جل الدول التي كانت في فترة من الفترات خاضعة للاحتلال أو الحماية الفرنسية، ولا تتيح التقنيات الحديثة في قياس المسافات أيّ إمكانية لتسجيل فوارق كبيرة عمّا كانت عليه في الماضي، إلى درجة تسجيل فارق بهذا الحجم الذي أعلنته وزيرة البيئة. ومن جهة ثانية إذا كانت مسافة 1622 المسجلة منذ القديم في السجلات الطوبوغرافية بالجزائر غير دقيقة أو مزيفة، فلماذا انتظرت السلطات الجزائرية هذه المدة الزمنية كلها حتى تكتشف المسافة الحقيقية لسواحلها؟ تخيّلوا بلدا حصل على استقلاله سنة 1962، لم يعرف الطول الحقيقي لامتداد سواحله إلا بعد مرور 60 عاما.
لكن إذا عُلم السبب بطل العجب. إذا علمنا أن وزارة الدفاع الوطني هي التي أشرفت على الدراسة التي أطلقتها وزارة البيئة والطاقات المتجددة والمعهد الوطني للخرائط والكشف عن بعد سنفهم أن هذه النكتة لها بعدان: البعد الأول إذا افترضنا حسن النية هو قلة الكفاءة والخبرة التي يتمتع بها الأطر المكلفون بهذه المهمة سواء من العسكريين المحسوبين على وزارة الدفاع أو من المدنيين المحسوبين على وزارة البيئة. هذا إذا افترضنا حسن النية طبعا، أما إذا أردنا أن نقدم تفسيرا موضوعيا انطلاقا من خبرتنا بالعقلية السائدة في المؤسسة العسكرية الجزائرية، فإننا سنتحدث في البعد الثاني عن التأويل السياسي الواضح لنتائج هذه الدراسة.
بعبارة أخرى تمديد الساحل الجزائري بمسافة أزيد من 500 كيلومتر مزعومة هو مجرد ترجمة لأهواء الكابرانات التوسعية وأحلامهم بتمديد نطاق السواحل الجزائرية، خاصة بعد أن تبين لهم رسميا استحالة الحصول على المنفذ البحري على المحيط الأطلسي بتوظيف البوليساريو وافتعال النزاع في الصحراء المغربية. لقد كان بلوغ هذا المنفذ حلما بالنسبة للرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين الذي مات وهو يحلم بأن يصبح لبلاده ميناء على المحيط الأطلسي. وظل الكابرانات الذين تعاقبوا على حكم الجزائر يحملون بين ضلوعهم هذا الحلم المكبوت، الذي لن يكتب له أبدا التحقق، ما دامت الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه.
وهذه النكتة الجديدة التي ستملأ الدنيا وتشغل الناس كما العادة، ليست سوى جزء من هذه الغيرة الجزائرية المقيتة من الامتداد الساحلي المزدوج للمغرب. المغرب الذي أنعم الله عليه بواجهتين بحريتين تمتدان لأزيد من 3500 كيلومتر، 500 منها في ساحل البحر الأبيض المتوسط و3000 في المحيط الأطلسي الدافئ، الذي يرسل أمواجه منذ الأزل لتداعب رمال الصحراء المغربية.