أخبار الدارسلايدر
مرجاني لموقع “الدار” : الخطاب الملكي السامي .. من منطق الحسم إلى فلسفة التوافق
مرجاني لموقع “الدار” : الخطاب الملكي السامي .. من منطق الحسم إلى فلسفة التوافق

احمد البوحساني
في تصريح خاص لموقع الدار، اعتبر الباحث في الشأن السياسي والدبلوماسي فيصل مرجاني أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، تميز هذه السنة بعمق استراتيجي لافت، وبمضامين مركبة تعكس انتقال المغرب من مجرد الدفاع عن وحدته الترابية إلى ترسيخ شرعية مبادرته باعتبارها الإطار الوحيد للحل.
وأوضح مرجاني أن تأكيد جلالة الملك على أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل “الحل الوحيد الممكن” للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ليس فقط تثبيتًا لموقف مغربي ثابت، بل هو ارتقاء به إلى مستوى عقيدة سيادية متجذرة، تؤسس لما سماه بـ”مخزون سيادي” يقوم على اعترافات دولية متزايدة، ويمنح المبادرة عمقًا قانونيًا وأخلاقيًا وجيوسياسيًا يعزز مناعة الموقف المغربي.
وأشار إلى أن الجملة المفتاحية في الخطاب، والتي قال فيها جلالته: “وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”، تكشف عن مستوى عالٍ من النضج السياسي المغربي. فهي دعوة صريحة لحل توافقي، لكنها لا تخلو من رسائل ضمنية دقيقة، توضح بأن الانفتاح المغربي ليس ضعفًا، وأن الصبر الاستراتيجي ليس تهاونًا.
وأضاف مرجاني أن هذا التوازن بين الحزم والانفتاح هو ما يؤسس لما وصفه بـ”منطق الانتصار الهادئ”، أي انتصار المغرب في معركة السيادة من دون تعالٍ أو استفزاز، بل بمنطق حضاري يحفظ ماء الوجه للطرف الآخر، دون أن يُلزم المغرب بالتراجع عن مبادئه أو مشروعه.
واعتبر أن الخطاب الملكي يوجّه رسائل ثلاثية الأبعاد:
•إلى الجزائر: بأن المغرب منفتح على التوافق، لكن داخل المرجعية السيادية للمملكة، وليس خارجها.
•إلى المنتظم الدولي: بأن المملكة لا تكتفي بحشد الدعم، بل تقترح حلولاً واقعية وعادلة ومطابقة للشرعية الدولية.
•وإلى الداخل المغربي: بأن مشروع الحكم الذاتي أضحى ركيزة للأمن القومي، وليس مجرد اقتراح تفاوضي.
ولم يُخفِ مرجاني قراءته لما وصفه بـ”التحذير المؤدب” الذي تضمّنه الخطاب، موضحًا أن جلالة الملك وإن أبدى استعدادًا للحل التوافقي، إلا أنه رسم بوضوح حدود التسامح، وربط أي توافق بمرجعية الحكم الذاتي داخل السيادة المغربية، محذرًا ضمنيًا من أي تمادٍ جزائري قد يدفع بالمغرب إلى إعادة قراءة شاملة للعلاقات الثنائية، بما فيها ملفات تاريخية حساسة مثل موضوع الصحراء الشرقية.
وختم الباحث تصريحه بالتأكيد على أن خطاب العرش لهذا العام ليس فقط رسالة سياسية، بل وثيقة مرجعية تؤسس لمفهوم جديد للسيادة المغربية: سيادة تنفتح على الحوار، لكنها لا تساوم على المبادئ. خطاب يُدار فيه الصراع بمنطق القرن الحادي والعشرين: الردع بدون صخب، والانتصار بدون كراهية، والتاريخ بدون نسيان.