
الدار/ إيمان العلوي
تشير معطيات إلى أن الجزائر، عبر أذرعها الاستخباراتية، انخرطت في حرب ناعمة تستهدف المغرب، ليس عبر السلاح التقليدي أو الحدود المباشرة، بل من خلال الفضاء الافتراضي الذي أصبح اليوم ساحة معركة جديدة بين الدول.
الأسلوب الذي تعتمده المخابرات الجزائرية يتمثل في إنشاء وإدارة حسابات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي، تحمل أسماء مغربية وتتبنى خطابًا شعبويًا أو احتجاجيًا، لكنها في العمق موجّهة من الخارج. الهدف من ذلك، هو دفع الشباب المغربي إلى التطرف في التعبير عن مطالبه، وتحويل الاحتجاجات السلمية إلى أعمال شغب وتخريب تمس الممتلكات العامة والخاصة.
هذه الاستراتيجية ليست وليدة اللحظة؛ بل هي امتداد لسياسة جزائرية قديمة تستهدف تقويض استقرار المملكة، خاصة مع النجاحات التي حققها المغرب على مستويات متعددة: من التقدم الدبلوماسي في ملف الصحراء المغربية، إلى المشاريع التنموية الكبرى، وصولاً إلى إشعاعه المتزايد في إفريقيا والعالم.
تحليل بعض المحتويات المتداولة على المنصات الرقمية يكشف نمطًا مكررًا: رسائل تحريضية تعتمد على لغة حادة، شعارات مستنسخة، وتوقيت مدروس يتزامن مع أي توتر اجتماعي داخلي. وما إن تهدأ الأوضاع حتى تختفي تلك الحسابات أو تتحول إلى مواضيع أخرى، في دليل على أن الغاية منها ظرفية وموجهة لا تعكس حقيقة المزاج العام للمغاربة.
المغرب، من جهته، كان دائمًا واضحًا في اتهاماته للجزائر بالوقوف وراء حملات التشويه الممنهجة، سواء عبر وسائل الإعلام الرسمية أو عبر المنصات الرقمية. ومع ذلك، فإن الرهان الجزائري على توظيف “جيل Z” في المغرب لم يحقق النتائج المرجوة بالكامل، لأن الوعي الرقمي لدى الشباب المغربي بدأ يتطور، وأصبح جزءًا كبيرًا منه قادرًا على التمييز بين الخطاب الصادق والخطاب المصطنع.
إن خطورة هذه الحرب السيبرانية تكمن في كونها تستغل هشاشة بعض الفئات الاجتماعية، وتحاول إلباسها ثوب “الانتفاضة الشعبية”، في حين أنها في جوهرها ليست إلا أداة خارجية لخلخلة الاستقرار. ولعل هذا ما يفسر تشديد السلطات المغربية على تتبع مصادر تلك الحملات والتصدي لها بوسائل تقنية وقانونية.
ما يجري ليس مجرد “نشاط رقمي عادي”، بل هو جزء من معركة جيوسياسية مفتوحة بين المغرب والجزائر، حيث تحاول الأخيرة التعويض عن إخفاقاتها الداخلية والخارجية من خلال اللعب على ورقة زعزعة الاستقرار في الجوار. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: إلى متى سيستمر هذا الأسلوب، وهل يمكن لمثل هذه المناورات الرقمية أن تقف أمام صلابة المؤسسات المغربية وإرادة شعبها؟