سلايدرمغرب

أين اختفى هؤلاء “المؤثرون” في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟

الدار/ أحمد البوحساني

في خضمّ الحراك الشبابي الذي اجتاح الفضاء الرقمي قبل أن يمتدّ إلى الشوارع والساحات في مختلف مدن المملكة، تطرح الساحة الإعلامية سؤالًا جوهريًا: أين اختفى المؤثرون؟

أولئك الذين ملأوا الشاشات الصغيرة ضجيجًا، وتباهوا بملايين المتابعين والمشاهدات، وقدموا أنفسهم كقادة للرأي وصُنّاع للوعي، غابوا فجأة عندما احتاجهم الشباب، وفضّلوا الصمت أو الاكتفاء بمنشورات محتشمة في خاصية “الستوري” خوفًا من تراجع التفاعل أو خسارة المتابعين.

لقد كشفت هذه اللحظة التاريخية زيف الصورة التي بناها كثير من “المؤثرين”، وأظهرت أنهم أبعد ما يكونون عن التأثير الحقيقي. فقد عجزوا عن التعبير على موقف واضح، أو الانخراط في النقاش الوطني بجدية ومسؤولية، لأن أغلبهم لا يرى في الفضاء الرقمي سوى مصدر ربح وشهرة، لا منبرًا لخدمة المجتمع أو التعبير عن قضاياه.
سنوات من التفاهة والمحتوى السطحي ساهمت في إفراغ الوعي الشبابي من مضمونه، بينما كانت البلاد في حاجة إلى عقول تُنير الطريق لا إلى مشاهد تُثير الضحك.

لكن الإنصاف يقتضي القول إن المسؤولية لا تقع على هؤلاء “اللامؤثرين” وحدهم، بل تمتدّ أيضًا إلى المؤسسات التي صنعت شهرتهم ورفعتهم إلى مصافّ الرموز الزائفة. من استدعاهم في الحملات الرسمية والإعلانات التسويقية، ومن أغدق عليهم الامتيازات والعطايا، ومن جعلهم واجهة للمناسبات الوطنية دون مساءلة أو تقييم لمردودهم الحقيقي ، يتحمل نصيبًا من الخطأ.
بل إن كثيرًا منهم لا يساهم حتى في دعم خزينة الدولة عبر أداء الضرائب المستحقة، رغم الأرباح التي يجنوها من محتواهم التجاري.

في المقابل.. و بينما غاب “المؤثرون”، كانت الصحافة الوطنية الجادة — بمختلف توجهاتها — حاضرة في الميدان، تنقل صوت الشباب وتواكب الأحداث لحظة بلحظة. وسط الزخم والاحتقان، رأى الجميع كيف وقف الصحفيون والصحفيات في وجه الفوضى، وكيف نقلوا الحقيقة دون تحريف أو تحريض، ملتزمين بمبدأ المهنية وواجب المواطنة.

كانت المنابر الإعلامية الوطنية أول من فتح المجال أمام الشباب للتعبير عن آرائهم ومطالبهم بكل حرية ومسؤولية، رغم ما يعيشه القطاع من أزمات اقتصادية وتحديات مهنية.

لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن المغرب لا يحتاج إلى مؤثرين عابرين، بل إلى مواطنين فاعلين يحملون همّ الوطن ويعبّرون عنه بصدق.
كما أكدت أن الصحافة الجادة، رغم كل الصعوبات، تظل خط الدفاع الأول عن الوعي الجماعي، وأنها المؤسسة الوحيدة القادرة على توجيه النقاش العمومي نحو البناء لا الهدم.

إن ما حدث ليس مجرد حراك شبابي، بل هو أيضًا محطة لفرز القيم والمواقف. فقد سقطت أقنعة كثيرة، وانكشفت حقيقة من كان يدّعي التأثير.
المغرب اليوم بحاجة إلى أن يُكرّم صُنّاع المحتوى الحقيقيين، والمهنيين الذين يؤمنون بالوطن ويخدمونه بالكلمة الصادقة والصورة النزيهة.
أما أولئك الذين صنعوا من التفاهة مهنة ومن الصمت موقفًا، فقد أثبت الواقع أنهم لا يؤثرون إلا على أنفسهم… وعلى جيوبهم.

زر الذهاب إلى الأعلى