سلايدرمغرب

جيل «زيد – GenZ».. وعي جديد يتجاوز الإيديولوجيا ويعيد تعريف السياسة في المغرب

أحمد البوحساني

في تصريح لموقع الدار ، قدّم الناشط والباحث في فيصل مرجاني قراءة معمقة لظاهرة «جيل زيد – GenZ» في المغرب، معتبراً أن هذا الجيل لا يمكن اختزاله في الصور النمطية التي رسّخها الخطاب السياسي التقليدي، ولا النظر إليه باعتباره مجرد شريحة شبابية منشغلة باللهو والترفيه، بل هو «صوت الواقع الاجتماعي الجديد» الذي تجاوز الأطر الإيديولوجية القديمة ويسائل الدولة والمجتمع عن قضايا أكثر عمقاً وواقعية.

و يرى مرجاني أن أبناء «جيل زيد»، الذين وُلدوا في فضاء رقمي مفتوح وتشبعوا بثقافة كونية وتكنولوجيا متقدمة، لم يعودوا يستجيبون للمقاربات السطحية التي تعتمدها الأحزاب والمؤسسات المنتخبة. فالاكتفاء بتنظيم المهرجانات أو توفير ملاعب القرب لا يمكنه أن يستوعب انتظارات جيل أصبح يشكّل اليوم ركناً أساسياً في البنية المجتمعية.

ويضيف، في ذات التصريح، أن هذا القصور في الفهم أدى إلى تعميق أزمة الوساطة السياسية، إذ مازالت المؤسسات بعيدة عن إدراك أن حضور هذا الجيل لا يُقاس فقط بتفاعله مع الأنشطة الترفيهية، بل بقدرته على إنتاج وعي جديد يرتبط بمفاهيم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمواطنة الكاملة.

ويصف مرجاني هذا الجيل بأنه يعيش «وعياً مزدوجاً»؛ فهو يتفاعل من جهة مع مظاهر الثقافة والترفيه والمهرجانات، لكنه من جهة أخرى يراقب بعيون ناقدة معاناة أسرته في توفير السكن والخدمات الصحية والتعليم الجيد. هذا الوعي المزدوج – بحسبه – يمثل انتقالاً من اللامبالاة إلى الإدراك النقدي، ومن الانشغال بالتسلية إلى البحث عن حلول لمشاكل بنيوية ترهق المجتمع.

ويرى أن الموقف النقدي الذي يتبناه شباب «GenZ» تجاه السياسة لا ينبع من رفض مطلق لها، بل من إدراك عميق لابتعادها عن حاجاتهم الفعلية، ولعجزها عن تقديم أجوبة حقيقية لمشاكلهم اليومية.

وفي تشخيصه لجوهر الأزمة، يشير مرجاني إلى أن العديد من النخب السياسية ما زالت أسيرة خطابات تعود إلى ستينيات القرن الماضي؛ ما بين قومية متجاوزة، ويسار عقائدي جامد، وتيارات دينية توظف المقدس لخدمة مصالح سلطوية ضيقة. هذه المقاربات، وفق رأيه، تتناقض تماماً مع الحساسية الجديدة لجيل زيد الذي ينظر إلى الدين كخيار شخصي وفضاء فردي بعيد عن السياسة وتدبير الشأن العام.

هذا التناقض يعكس ما يسميه مرجاني بـ«حرب الأجيال الرمزية» بين منظومة فكرية قديمة تحاول فرض وصايتها على الواقع، وجيل جديد يسعى إلى التصالح مع ذاته ومع واقعه عبر سياسات عمومية حديثة وملموسة.

ويؤكد الناشط فيصل، أن جيل “زيد” لا يطالب بالمستحيل ولا يرفع شعارات طوباوية، بل يركّز على قضايا ملموسة مثل إصلاح المنظومة الصحية، تجويد التعليم العمومي، توفير فرص الشغل، وضمان شروط العيش الكريم. وبالرغم من بساطتها الظاهرية، فإن هذه المطالب تعكس عمقاً سياسياً واجتماعياً لأنها تعيد تعريف السياسة كأداة لتدبير الشأن العام وخدمة المواطن، لا كساحة للصراعات الإيديولوجية أو لتحقيق مكاسب ضيقة.

ويشير مرجاني إلى أن التحول الأبرز الذي فرضه جيل زيد يتمثل في نقل معركة الوعي والاحتجاج إلى الفضاء الرقمي. فاليوم، أصبحت منصات مثل “TikTok” و “Instagram” و “Discord”، أكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام وصناعة الحركات الاحتجاجية من الإعلام التقليدي وخطاب الأحزاب السياسية.
هذا الواقع يكشف عن أزمة عميقة في الوساطة الحزبية والبرلمانية التي فشلت في تجديد نفسها، بينما يصوغ الشباب أجندته بنفسه ويبني فضاءاته الخاصة للحوار والنقاش.

ويحذر مرجاني من أن تجاهل انتظارات هذا الجيل سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين المجتمع والمؤسسات، وزيادة فقدان الثقة في السياسة والفاعلين، وهو ما قد يفضي إلى انزلاقات يصعب التحكم فيها مستقبلاً.

الحل – كما يرى – يكمن في الاعتراف بقدرة هذا الجيل على صياغة بدائل حقيقية، وتوفير قنوات مؤسساتية تستوعب وعيه النقدي ومطالبه الواقعية، وبناء علاقة جديدة تقوم على الحوار والتفاهم بدل الوصاية والتبخيس.

وفي ختام تصريحه، يصف مرجاني «جيل زيد» بأنه جيل المفارقات: يرقص في المهرجانات ويشارك في الاحتجاجات، يستهلك الثقافة الرقمية ويطالب بإصلاح المدرسة العمومية، يعيش في عالم افتراضي لكنه يعي جيداً معاناة الواقع.
إنه جيل يعلن بصمته التاريخية في «حرب الأجيال» الرمزية، ويدعو إلى قطيعة مع الإيديولوجيا الجامدة والتصالح مع الواقع، في انتظار أن تلتقط النخب السياسية هذه الرسائل قبل أن تتحول إلى أزمة اجتماعية وسياسية أعمق.

زر الذهاب إلى الأعلى