
أحمد البوحساني
في تصريح خاص لموقع الدار، اعتبر الناشط الحقوقي محمد سالم عبد الفتاح أن الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة جاء في لحظة دقيقة يمر منها المغرب، تزامنًا مع بروز حراك جيل Z، الذي عبّر عن حالة وعي جديدة داخل المجتمع المغربي، وعن تحولات عميقة في علاقة الشباب بالمؤسسات والسياسات العمومية.
وقال عبد الفتاح إن الخطاب الملكي “عكس استيعابًا حكيمًا لهذا الواقع”، من خلال مضامينه المتسمة بالعمق والرزانة، والتي جسدت حرص المؤسسة الملكية على الإنصات للشارع دون انفعال، وتحويل الغضب الاجتماعي إلى فرصة لتصحيح المسار وإعادة بناء الثقة بين الدولة والأجيال الصاعدة.
وأوضح المتحدث أن جلالة الملك دعا بوضوح إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وتعبئة كل الطاقات الوطنية من أجل تنمية متوازنة، وهو ما يشير إلى أن صوت الشباب وصل فعلاً إلى قلب المؤسسة التشريعية.
فالخطاب، بحسب عبد الفتاح، أكد أن المطالب التي عبّر عنها شباب جيل Z ليست موضع تجاهل أو إنكار، بل جزء من رؤية شمولية تسعى إلى تحويل تلك المطالب إلى سياسات واقعية على الأرض تضمن تكافؤ الفرص وتقلص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
كما شدد الخطاب الملكي على ضرورة تأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات العمومية والقوانين، في دعوة صريحة إلى تجديد قنوات التواصل بين المؤسسات والمجتمع، وإعادة الاعتبار للإعلام العمومي كجسر حقيقي بين الدولة والمواطنين.
وأشار عبد الفتاح إلى أن هذا المقتضى يعكس تشخيصًا عميقًا لأحد أسباب اتساع الهوة بين الشباب والمؤسسات، والمتمثل في ضعف التواصل الرسمي، مما ولّد شعورًا بالعزلة والتهميش. وأضاف أن إصلاح العلاقة بين الأجيال والمؤسسات يبدأ من الثقة، والثقة تُبنى على الشفافية والانفتاح.
وتوقف الناشط الحقوقي عند كون الخطاب الملكي تناول بدقة نفس العناوين الكبرى التي رفعتها احتجاجات الشباب الأخيرة، من قبيل التشغيل والتعليم والصحة.
فقد دعا جلالة الملك إلى تشجيع المبادرات المحلية، وتوفير فرص الشغل، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة وتأهيل المجال الترابي، ما يؤكد أن المؤسسة الملكية تتعامل مع المطالب الاجتماعية بعقلية تنموية وهيكلية، بعيدة عن منطق الارتجال أو ردود الفعل الظرفية.
ولم يفت الخطاب الملكي التذكير بضرورة تغليب المصالح العليا للوطن، في إشارة واضحة إلى محاولات بعض الأطراف استغلال الحراك أو ركوب موجة الاحتجاج لإضعاف تماسك الجبهة الداخلية.
وفي هذا السياق، اعتبر عبد الفتاح أن الخطاب تضمّن تحذيرًا ضمنيًا من الانجرار وراء الدعايات المغرضة، مؤكداً أن المؤسسة الملكية تميّز بين المطالب الاجتماعية المشروعة وبين محاولات التشويش السياسي، وأن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل وحدة وطنية واستقرار مؤسساتي.
أما حديث جلالة الملك عن “جيل جديد من برامج التنمية الترابية”، فقد وصفه عبد الفتاح بأنه إعلان عن مرحلة جديدة من الإصلاح الوطني، عنوانها “المغرب الصاعد”، الذي يجعل من الشباب قلب المشروع التنموي وركيزته الأساسية.
فالمغرب الصاعد، كما يضيف، ليس شعارًا بل رؤية متكاملة لمغرب جديد يؤمن بالكفاءات الشابة والمواطنة الفاعلة، ويضع العدالة المكانية والاجتماعية كأرضية للتنمية.
وختم عبد الفتاح تصريحه بالتأكيد على أن الخطاب الملكي جاء متوازنًا في لغته وذكيًا في توقيته، إذ جمع بين الاعتراف بالمطالب المشروعة لجيل Z وبين الدعوة إلى تعبئة وطنية شاملة لمعالجتها.
وأضاف أن “الرسائل الملكية تؤكد أن المغرب اختار دائمًا طريق الإصلاح الهادئ والبناء، القائم على الحوار والإنصات والمبادرة، لا على العنف أو التجاهل”، مبرزًا أن كل أزمة اجتماعية يمكن أن تتحول إلى فرصة جديدة لترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتعزيز المسار الديمقراطي.