أخبار الدارسلايدر

المغاربة يستقبلون أبطالهم: لحظة شعبية تصنع مجدًا رياضيًا

المغاربة يستقبلون أبطالهم: لحظة شعبية تصنع مجدًا رياضيًا

بقلمي عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

لم يكن يوم الأربعاء في الرباط مجرد مناسبة رياضية، بل كان مشهدًا وطنيًا استثنائيًا تلخص فيه الحب، والانتماء، والاعتزاز الوطني في أبسط تجلياته وأكثرها صدقًا. فقد تحوّلت العاصمة المغربية إلى مسرح مفتوح للفرح، احتفاءً بأبطال منتخب أقل من 20 سنة، “أشبال الأطلس”، بعد تتويجهم التاريخي بكأس العالم في الشيلي.

هذا الإنجاز، الذي وصفه كثيرون بـ”المعجزة الكروية”، لم يكن مجرد فوز بكأس، بل كان ولادة جيل جديد يُعيد صياغة علاقة المغاربة بكرتهم، ويمنح أملاً واسعًا بأن المستقبل يحمل الكثير.

الاستقبال الشعبي الكبير الذي حظي به “أشبال الأطلس” لم يكن احتفالًا رياضيًا فحسب، بل كان ترجمة لحالة وجدانية عميقة يعيشها المغاربة مع كل نصر كروي. جموع المواطنين الذين توافدوا من مختلف المدن إلى الرباط، رافعين الأعلام ومرددين الأهازيج، جسّدوا صورة بلد يتنفس كرة القدم كما يتنفس هواءه.

ليس مستغربًا أن تصبح شوارع الرباط -وخاصة شارع محمد الخامس وساحة البريد– ساحات مفتوحة للفرح، فهذه اللحظات تعكس كيف يمكن للرياضة أن تتجاوز الأبعاد التنافسية، لتصبح رمزًا لوحدة الشعور الجمعي ووسيلة لإعادة ربط المواطن بوطنه.

لطالما كانت الكرة في المغرب أكثر من مجرد لعبة. من “أسود الأطلس” إلى “أشبال الأطلس”، هناك جيلٌ تلو الآخر يحمل على عاتقه طموحات أمة بأكملها. هذا الاستقبال الجماهيري هو انعكاس لهوية وطنية تتشكل من لحظات الانتصار، وتجد في الرياضة منصة للتعبير عن الذات، وللمطالبة بالمزيد من الفرص، والبنية التحتية، والرؤية الاستراتيجية.

المغرب اليوم ليس فقط بلدًا ينجح في تنظيم التظاهرات الكبرى ويصعد المنصات العالمية، بل هو أيضًا بلد يُنتج أبطالًا في مختلف الفئات، شبابًا لا يهابون التحدي، ولا يقفون عند حدود الجغرافيا أو الإمكانات.

ما ميّز هذه اللحظة أيضًا هو التفاعل الإعلامي الواسع الذي تخطى القنوات الوطنية، ليتصدر عناوين الصحف الدولية وشبكات التواصل العالمية. الكاميرات رصدت وجوه الفرح، والهتافات، والزغاريد، والاحتضان العفوي بين الشعب وأبطاله.

هذا ليس مجرد بث تلفزيوني، بل هو رسالة سياسية ناعمة إلى العالم: المغرب بلد الشباب، والطموح، والإنجاز.

الفوز بكأس العالم للفئات السنية ليس نهاية الطريق، بل بدايته. فأشبال الأطلس اليوم أصبحوا قدوة لجيل كامل من الأطفال والمراهقين في أحياء المغرب. ومن هنا، فإن مسؤولية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والقطاعات الحكومية المعنية يجب أن تتجه نحو دعم المسار المهني لهؤلاء الأبطال، وتوفير المسارات الكروية والتعليمية التي تحميهم من الضياع بعد المجد.

رغم تنوع الآراء واختلاف المواقف بين المغاربة، يظل هناك ما يوحّدهم في العمق: حبهم العميق لملكهم، واعتزازهم بهويتهم الوطنية، وارتباطهم بتاريخهم العريق. ثم تأتي كرة القدم كجسر وجداني يُعزز هذا التماسك، ويُترجم في تعلقهم بمنتخبهم الوطني، الذي أصبح رمزًا جماعيًا للفرح والفخر. لحظة الاستقبال في الرباط لم تكن مجرد احتفاء بإنجاز رياضي، بل تجسيدًا حيًا لوحدة الشعور والانتماء. لقد أثبتت كرة القدم مرة أخرى أنها أكثر من مجرد لعبة؛ إنها قصة شعب تُروى بشغف وعزيمة.

زر الذهاب إلى الأعلى