صلاح بوسريف يكتب عن: ثقافة «الدُّعَاة»!؟
صلاح بوسريف
أخيراً خرجت واحدة من حزب «العدالة والتنمية»، لتقول لنا، إنَّ الثقافة والمعرفة هما أساس التطور والتقدم، أو هما ما يمكن أن يُساهما في إخراجنا مما نحن فيه من عَطَل وخلل.
أولاً: ماتقوله هذه السيدة، وهي نائبة برلمانية، هو أمر طالما صدح به المثقفون والمفكرون والفنانون، ونادَوا به نهاراً جِهاراً، وهو مكتوب ومعروف.
ثانياً: أنتِ سيِّدتي، دخلتِ أرضاً لا علاقة لك بها، لأنك شغلتِ نفسك بالدِّين، بالطريقة التي تشرَّبْتِيها في الحزب الذي تنتمين إليه، لأنه حزب يُحارب الفكر والفلسفة، والعقل عنده، لا يدور إلا في حلقةِ أيديولوجية الحزب، ورؤيتِه الخاصة للدين، التي هي ليست رؤية المغاربة، لأنها في الأصل رؤية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهؤلاء، عبر تاريخهم الحديث، يكرهون الثقافة، بل إنَّ مفهومهم للثقافة، هو مفهوم مُغٌلَق، ضَيِّق، ومَخْنوق، لا يخرج عن تأويلاتهم المتطرفة للدين.
ثالثاً: لماذا أنت، اليوم، فقط، تجهرين بهذا الرأي وتقولين به، أين كنتِ منذ اعتليْتِ ما اعْتَلَيْتِ من مناصب بعد دخول حزبك لدواليب السلطة. أليس في الأمر مزايدة، ورغبة في الظهور بمظهر فكرٍ أنتم تُعادُونه، أعني فكر الحداثة والتنوير؟
رابعاً: هل شعرتم أن الأرض من تحتكم تهتز، والانتخابات على الأبواب، فرغبتم في أن تقلبوا قُمصانَكُم، وتخرجوا من خطاباتكم القديمة التي بارتْ وأبانت عن تهافتها، لتلبسوا قمصان غيركم ممن يعرفون أن الشمس هي ما يضيء الظلمة، لا تلك المصابيح البئيسة التي لا تكفي لتضيء حتى الجُحْر الذي فيه تُشْعِلُون فَتِيلَها؟
أعرف أنَّك، صُدِمْتِ، حين زُرْتِ باريس، بما وصل إليه الغرب، رغم انحساره وتطرفه الذي هو فيه اليوم، من حضارة وتطور ورفاه، بسبب الثقافة والمعرفة والتربية، وكيف أن الإنسان هناك، مواطن مسؤول، وصاحب رأي في ما يجري في بلاده، ويتمتع بالحرية والعدالة والمساواة، ليس لأن السياسة هي من مَنَحَتْه كل هذه الأمور، بل لأنَّ كل ما يجري في فرنسا، وفي الغرب، عموماً، جاء من الثقافة والتربية، ومن تأهيل الإنسان للانخراط في البناء، وفي صيانة وجوده على الأرض بالاختلاف وسَعَة النظر، لأنه أدْرَك، كيف أن هيمنة الكنيسة، على السياسة وعلى الثقافة، هو ما أوصله إلى ما كان يعيش فيه من بؤس ويأس، لذلك اختار «العلمانية»، التي هي ليست رفض الدين أو إقصاءه، بل وضع الدين في سياقه الفردي الخاص بعلاقة الإنسان بالله، أما العلاقة بالسياسة والاقتصاد والثقافة، وتدبير شأن البلاد، وإدارة دواليب الدولة، فهذا ليس من اختصاص «الوُعَّاظ» و «الدُّعاة» ممن جرَّدُوا العلماء من الذَّكاء، وادَّعَوْه لأنفسهم، كما حدث لأخ لك في الحزب، وفي البرلمان، تطاول على من لن يبلغ شأوهم، وعرَّض نفسه لسهرية الجهال قبل العارفين.
غير مقبول أن تأتوا اليوم لتزايدوا علينا باسم الثقافة، ونهضة الغرب، والبنيات التحتية، وأنتم أخفقتم في كل شيء، وكانت الثقافة منعدمة في برامجكم، تعتبرونها شيئاً غير ذي فائدة، أو هي لعب الصِّغار، بدليل أن في حزبكم لا يوجد أي مثقف، ولا مفكر، اللهم إذا اعتبرتم من اسْتَحْمَر العلماء والمفكرين الكبار، ممن خدموا البشرية، مفكراً. هنا، سأفهم، جيداً، ما تعنينه، سيدتي، بكلمة ثقافة وتربية، وهو نقيض حاسم، لكل ما يمت للثقافة والفكر بصلة، بل هو آتٍ من جهل مقدس أعمى مصاب بالهُلاس، لا يرى في فكر النور سوى الظلمة، ويعتبر فتيل مصباحه، هو النور كل النور.
الثقافة، هي قاطرة التنمية، الجميع يعرف هذا إلا أنتم، بل أنتم من كبحتم هذه القاطرة، وعطلتم سيرها، لأنكم لم تسيروا في طريق من وضعوا الثقافة ضمن أولوياتهم، وعملوا أن تكون هي ما يضيء العقل، ويخرج بالإنسان من مجتمع الفرجة والاستهلاك، إلى مجتمع العلم والمعرفة. وهذا أنتم، لا علاقة لكم به، لأن الثقافة والتربية عندكم، هي الوعظ والإرشاد، وفق نمط إخواني متزمت ومغلق، لا يتجاوز حدود أنوفكم. فتفكَّرُوا.