نشطاء حقوقيون: ‘‘اللادينيون’’ يتجرَّدون من عباءة الدين والأعراف
الدار / فاطمة الزهراء أوعزوز
يصطف المغرب إلى جانب الدول التي عرفت في السنوات الأخيرة ارتفاع الأصوات المنادية بإقرار ‘‘حرية التدين’’، الأمر الذي يخلق جدلا واسعا، خصوصا في المجتمعات العربية، حيث أن حرية التدين تشمل العديد من التصنيفات، فقد يعني البعض بها اعتناق ديانة محدودة الانتشار بين المجتمعات، الأمر الذي يجعله مستعدا لمواجهة العديد من الصدامات التي يكون لا مفر منها، بينما البعض الآخر يعتبرها موقفا محايدا من الديانات، ليقف إلى جانب اللادينيين، الذين لا يدينون بأي دين يذكر، بل يصرون أن قناعتهم قائمة على الاستقلالية.
في حاجة إلى دراسات…
لا يمكن أن تتضح الرؤية حول الحيز الذي يشغله اللادينيون في المغرب دون الإطلاع عن الدراسات المحكمة في هذا الجانب، غير أنه وفي ظل الجدل الذي يطبع هذا الموضوع تشتد الحاجة إلى التنقيب على الأرقام التقريبية التي من شأنها أن تضفي الطابع العلمي على هذه الظاهرة، ومن أبرز الأسباب التي تفسر غياب الدراسات هو كون هذا الموضوع لازال يشكل ‘‘طابوها’’، يحذُر على العديد من الأصوات الخوض في الحديث عنه، ومن ثم فليست هناك نسب تقديرية لتوصيف الظاهرة، خصوصا وأن الإسلام في المغرب هو الدين المرتبط بالدولة الذي يتم اعتماده منهجا تشريعيا في الشؤون السياسية المعتمد في الحكم والقيادة.
ويشار إلى أنه في السابق خصوصا في فترة الستينيات، كانت الإذاعات التبشيرية هي الوسيلة التي يعتد بها غير المسلمين، في أفق الحد من انتشار الإسلام على نطاق واسع، ومن ثم فقد ساهمت في نشر المسيحية بينما كانت بالنسبة للبعض الآخر السبب الذي أصبح مدعاة لإعادة التفكير في اعتناق دين غير الإسلام، غير انه وبداية من قطع العلاقات مع إيران فقد تم الحرص على تجفيف منابع التبشير في المغرب والعديد من الدول العربية التي يعتبر الإسلام الدين الأكثر انتشارا بها، لكن في مقابل ذلك وفي ظل التطور التكنولوجي المهم الذي اكتسح المجتمعات تم الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي في أفق خلق المجموعات المغلقة لاستقطاب الأشخاص الذين ينشرون الفكر التبشيري ويسارعون في الحد من انتشار الإسلام، غير أن الأمر لم يشمل التطور المنشود، بل ظل حبيسا لعدد محصور من الفضاءات الرقمية.
المنصات الرقمية ترعى الإلحاد وتحتضن النقاشات المحرمة
في السياق ذاته يكشف هشام نوستيك في تصريح خاص وهو المعروف على مواقع التواصل الاجتماعي ب"كافر مغربي"، أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت هي البديل الذي يحتمي به طالبوا ‘‘اللجوء الديني’’، خصوصا وأنه عمد إلى خلق صفحة تفاعلية على الفيسبوك وقناة على موقع اليوتيوب، يناقش من خلالها مجموعة من المعتقدات الدينية التي تخص الإلحاد الذي يعتبره الملاذ الذي يقيه الوقوع في اعتناق أي دين معتبرا هذا الأمر مجرد خدعة وخطيئة لا يريد أن تنطلي عليه.
ويصر في حديثه أن المستقبل للإنسانية وكذلك للعقلانية، معتبرا أن الخطابات الدينية لا تكاد تتجاوز حدود الذريعة التي يستعملها تجار الدين في أفق تخدير الشعوب والعبث بزمام السلطة والحكامة، الأمر الذي يعتبره سببا كافيا في اتخاذ موقفا محايدا من التدين والاكتفاء بـ‘‘اللادين’’ أو ‘‘الإلحاد’’.
"التخلص من عباءة الدين و العرف وتقبل لباس التنوير.. هل بات ضرورة؟"
وأضاف من جهته الباحث المغربي الذي يتجه نحو نقد الديانات، أن "خطابه بعيدا عن كونه يختلف مع ما تربى عليه مجتمع مصنف في خانة "التخلف". هو "خطاب وجب أن يكون في القرن 17 عندما كان كانط وزملاؤه الفلاسفة يدعون للتنوير و كان ذلك سببا رئيسيا لخروج أوروبا من ظلمات الكنيسة و التخلف إلى نور العلم و التطور".
مؤكدا أنه "إذا أردنا أن ننتقد هذا الخطاب، وجب علينا نقد أغلب فلاسفة التنوير والمفكرين الذين نضطر لدراسة تفكيرهم في الجامعة و الثانوية في مقررات الفلسفة. مضيفا أن إشكاليته الكبرى مع أغلب الأساتذة هو محاولتهم تدريس فكر ماض ولد نتيجة ظروف تاريخية وواقعية تختلف مليون بالمئة عن واقعنا الآن".
ويضيف "أنه يمتلك نهجا فلسفيا جديدا، يستمد مبدأ التنوير من واقعنا المعاش ويعرضه بطريقة تخاطب المتلقي الحالي؛ الذي هو أولا قدراته اللغوية بسيطة ولا يمكن أن تستوعب فلسفة كانط في التنوير مثلا. ثانيا، المتلقي مليء بالتخلف، مرجعيته الأولى الدين والعرف. و إذا تخلى عن هذين المبدأين يصبح شخصا فارغا دون هوية كطفل تجرده من ملابسه، أي لزم إيجاد فلسفة تنورية تخاطب هذا الجيل ليتخلص من عباءة الدين و العرف و ليتقبل لباس التنوير". على حسب بنجبلي في تصريحه.
‘‘الولاء’’.. للدين أم للوطن؟
في الصدد ذاته تؤكد سهام شيتاوي، الناشطة الحقوقية والمهتمة بنقد الديانات، "أن التضييق على الحريات الفردية هو المبدأ المعمول به في الغالب في المجتمعات العربية، خصوصا منها المغرب، باعتبار أن الإسلام هو دين الدولة"، وأشارت إلى "أن المغرب يهتم أساسا ببناء الشخصية المسلة، أكثر مما ترعى الأساليب المفضية إلى بناء الشخصية الوطنية، التي تكتفي بالالتزام بالشروط التي تضعها الدولة في سبيل تحقيق الوفاء والولاء المطلوب للوطن، بل الهاجس ينكب أساسا على ما مدى ولاء هذا الشخص للدين الإسلامي، بالرغم من كونه قد يكون غير معتنق لأي دين محدد".
الردة و نزعة التمييز…
تقول خديجة الرياضي في تصريح خاص أن "مفهوم الردة مفهوم ديني وفيه نوع من التمييز والتراتبية بين الناس بسبب اختياراتهم العقائدية". مسجلة"أنا اعتبر من يختار تغيير عقيدته سواء باعتناقه الإسلام أو التخلي عنه، أو بالانتقال من دين لآخر كيفما كانا، أو من ارتأى عدم اعتناق أي دين، كلها ممارسات تدخل في إطار الحرية الشخصية التي يجب احترامها بدون تمييز بين الناس".
وتشير إلى "أن هذه النظرة التمييزية بين الناس في التشريعات، وفي ممارسة السلطة اتجاه المواطنين وأيضا في الثقافة السائدة والتي تفتقد لقيم التسامح والتعايش والتعدد، تجعل من يختار اختيارا لا يدخل ضمن الإطار الضيق الذي حدده الدستور والتشريعات الأخرى يضطر إلى عدم الجهر بما يعتقده. ولهذا يصعب معرفة الواقع الحقيقي بهذا الصدد".
موضحة أنه "رغم أن حالات الأشخاص الذين يتمردون على بعض فصول القانون الجنائي المذكورة ربما يتزايد، حسب ما ترصده الصحافة والجمعيات الحقوقية من عدد الأشخاص الذين يتابعون بسبب الإفطار العلني خلال رمضان مثلا، أو بالسكر العلني، أو بالفصل 490 من القانون الجنائي، ورغم بعض الأرقام التي تنشر هنا وهناك عن عدد المسيحيين واللادينيين، إلا أنه في غياب حرية فعلية وحماية للأشخاص كيفما كانت اختياراتهم العقائدية لا يمكن لأي دراسة أن تكشف عن الأعداد الحقيقية، لأن المواطنين لا يجرؤون على التعبير الحر بشأن ما يعتقدونه في هذا الصدد".
وأشارت أنه "لا يجرؤ ‘‘اللادينيون’’ أومن يقررون ترك الدين الاسلامي أو فقط المذهب السني على الإعلان عن اختيارهم. ولا يستطيع ممارسة حريته الدينية". ويتعرض العديد منهم، تسجل الرياضي، "للعنف ليس فقط من طرف السلطات، ولكن أيضا من طرف عامة الناس الذين يعمدون بتطبيق ما أصبح يصطلح عليه بقضاء الشارع، أي التطاول على الأجهزة المكلفة بتنفيذ القانون، والتدخل المباشر بالاعتداء الخطير في العديد من الحالات، على هؤلاء الأشخاص المختلفين عن العموم في اختياراتهم العقائدية والفكرية"، مضيفة أنه "نظرا لتساهل السلطات مع هذه الممارسات، وعدم القيام بأي حملة إعلامية وتثقيفية ضدها، فقد أصبحت تنتشر وقد أخذت أبعادا مقلقة في السنوات الأخيرة"، على حد تعبير خديجة الرياضي.