الوَعْــي الجَمــالِيّ
p.p1 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; text-indent: 371.0px; font: 24.0px ‘Geeza Pro’}
p.p2 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; text-indent: 371.0px; font: 24.0px ‘Geeza Pro’; min-height: 32.0px}
p.p3 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; text-indent: 398.0px; font: 18.0px ‘Geeza Pro’}
p.p4 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; font: 18.0px Times; min-height: 23.0px}
p.p5 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; font: 18.0px ‘Geeza Pro’; min-height: 24.0px}
p.p6 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; font: 18.0px ‘Geeza Pro’}
span.s1 {font: 24.0px Times}
span.s2 {font: 18.0px ‘Lucida Grande’}
إنَّ بين أهم المُشْكِلات التي تواجِهُنا في حياتنا، هي مشكلة الوعي الجمالي. وأعني، هنا، بالوعي الجمالي، ما نُدْرِكُهُ من جمال، في علاقتنا بالطبيعة وبالأشياء المُحِيطة بنا، أو التي هي جزء من حياتنا اليومية، مثل البيت، والحديقة، والفضاءات العامة في المدن التي نُقِيمُ فيها، بما في ذلك العمارة والمعمار عموماً.
ربما أنَّ الشَّاعر والكاتب والفنان، والمثقف، عموماً، هو مَنْ تشْغَلُه هذه الفضاءات، ويكون على وعي بشرطها الجمالي، الذي هو عنده، أحد شُروط وجود الإنسان على الأرض. لا معنى لأن يوجد الإنسان على الأرض، دون معرفة وجمال، ففي المعرفة يكون السؤال، والبحث، والتأمُّل، بين ما نرى به الأشياء، نقرأُها، ونُسائِلُ علاقتها بالطبيعة والإنسان، سواء أكانت معرفة بالفكر، أو معرفة بالبداهَة التي هي جزء من حياة الإنسان العامَّة، رغم أن البداهة، هي غير الفكر، الذي هو منهج ورؤية، وطريقة في النظر، هي ما به نبتني معرفتنا بالوجود، في سياقه الأنتربولوجي، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو غيرها من سياقات المعرفة، في حقولها المتنوعة.
الوعي الجمالي، قد يكون، بدوره، وعياً بالفطرة، وهذا ما نَلْمَسُه عند مَنْ سُمُّو بالفِطْريِّين، من الرسامين، والفنانين التشكيليين، هؤلاء الذين تعاملوا مع القماش والألوان، أو الأصباغ، دون سابق معرفة بالرسم، أو بالتشكيل، وهؤلاء، في أكثر من مجال من مجالات الفن، كانوا أصحاب موهبة، وإحساس رهيف وشفَّاف بالأشياء، وتعبيراتهم، كانت نابعة من هذا الإحساس، الذي هو غير مُتاح لأيٍّ كان من الناس، لأنه، في جميع حالاته، يبقى استثناءً، لا يمكنه أن يَحْدُثَ عند الجميع. لكن الوعي بالمعرفة، وبالدراسة والتأمُّل والبحث والتَّقَصِّي، وبمعرفة المدارس والتيارات والاتِّجاهات، هو وَعْيٌ مُدْرِكٌ، عارفٌ، وله رؤيتُه الخاصَّة التي لا تَحْدُثُ بالبداهَة، أو الشَّفَافَةِ ورهافة الإحساس، رغم وجود هذا الشرط عند هؤلاء، وهو ما يمكن، حقيقةً، اعتباره وعياً جمالياً.
ولعلَّ ما يجري في الواقع من انتهاك، مثلاً، للفضاءات العامة، التي نُخْلِيها من الحدائق، ومن الفضاءات الفسيحة التي يكون فيها الماء والخُضْرَة، وبعض المنحوتات، أو التعبيرات الجمالية التجريدية، هو أحد مظاهر انهيار هذا الوعي عند عموم الناس، لأنَّ السَّنَد الذي سيُتِيحُ مثل هذا الوعي، عندهُم، بمثل هذه الفضاءات، أو فرضها كواقع، أو كحياة موازية لحيوات الإنسان في المدينة، غير موجود، وغير مُتاح في تربيتنا، وفي تعليمنا، أعني، في جامعاتنا ومدارسنا، وحتَّى في بيوتنا. فلا وجود لمواد في منهاج التدريس، خاصَّة بالتربية الجمالية، إلا بالقدر اليَسِير، الذي لا يُتِيح أبداً، أن يكون هذا النوع من التربية عاماً، وسائداً، ومنتشراً، أو جزءاً من حياة الجامعة والمدرسة، بدليل، غياب وجود كليات للفنون الجميلة، كما نجدها في الغرب، وفي بعض دول المشرق العربي، مثل العراق، وهي، بطبيعتها، امتداد للاختيارات الدراسية للمُتعلِّمِين، سواء في الرسم، أو في المسرح، أو في الرقص، أو في السينما.
العمارة، هي جزء من هذا الوعي، وهي جزء من الثقافة الجمالية التي تؤسِّس لعلاقة الإنسان بالمدينة، وبالمعمار عموماً، في أشكاله المتنوعة، البسيط منها والمُركَّب. وكأنَّ البيوت والعمائر، والإدارات، والمدارس، ومُؤسَّسات الثقافة والفن، هي فقط، كما نَتصوَّرُها، أماكن مغلقة، فيها نُقيم ونُبيتُ، أو فيها نُدِير شؤون الإدارة، أو التدريس، أو إقامة الندوات والمُسابقات الرياضية والفنية، ولا علاقة لهذه الفضاءات بالجمال العام للمدينة، ولحياتنا، أو وجودنا على الأرض، بتعبير هايدغر، أي الوجود الأنطولوجي، الذي فيه نكون في حوار مع جميع ما يوجد ويدور حولنا، سواء أكان لغة، أو إشارة، أو علامة من العلامات الكثيرة المُحيطة بنا، بما في ذلك الصمت، الذي هو تعبير من هذه التعبيرات التي لا ننتبه إليها، ويفوتنا إدراك خطرها، أو أهميتها في وجودنا، وفي مساحات بصرنا ورؤيتنا.
إن الوعي الجمالي، بهذا المعنى، هو وعي ثقافي ومعرفي، ووعي بالوجود والموجود معاً، وليس وعياً بشيء دون غيره، بل إنه وعي بالكُلّ، والجمال، هو شرط وجودٍ، دونَه، لا نستطيع إدراك علاقتنا بدقائق الأشياء، مهما كانت، وكيفما كانت، ولا نستطيع أن نُحاوِرَها، أو نُكَلِّمَها، ما لم نكن مُدْرِكِين لوجودنا بالجمال، ولوجودنا بالمعرفة والتربية الجمالِيَيْن، خصوصاً في المدينة La cité، التي هي فضاءات ثقافية، قبل أن تكون فضاءات للاجتماع، أو الإقامة، فقط، بل إن الإقامة، هنا، هي، كذلك، وفي بُعْدِها الجمالي، إقامة بالجمال، أو بالوعي الجمالي الذي هو شرط بشري بامتياز.