التحرش الجنسي..هل تحول إلى سلاح فتاك لقتل المشاهير؟
الدار / افتتاحية
لم يصدق الكثير من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي الخبر الذي سقط كالصاعقة حول فصل العالم المغربي منصف السلاوي من منصبه بسبب اتهامات بالتحرش بإحدى زميلاته في العمل. لقد استحضر أغلب المعلقين على هذا الخبر نظرية المؤامرة ليؤكدوا أنها مجرد محاولة للنيل من سمعة الرجل الذي برز نجمه بعد أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد. غير أن خبر اعتذاره الكتابي عما بدر منه أصاب هؤلاء بالإحباط في غمرة محاولتهم الدفاع عن ابن بلدهم الذي شرّف المغرب في ميدان قلّما يبرز فيه نظراءهم. ولم يتردد المتابعون في استحضار تجربة مشابهة مثّلها مغربي آخر من المشاهير هو المغني سعد لمجرد الذي لا يزال يتابع قضائيا بتهم التحرش ومحاولة الاغتصاب، وهي التهم التي نالت كثيرا من الاهتمام الإعلامي وتصدرت قائمة القضايا المثيرة في شبكات التواصل الاجتماعي.
كثيرون هم المشاهير الذين انتهت مسيرتهم بهذه التهمة. في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر تهمة التحرش أو الاعتداء الجنسي من بين أكثر التهم التي يواجهها المشاهير، وتؤدي بهم إما إلى إنهاء مسيرتهم الفنية أو حتى إلى المتابعة القضائية والسجن. بيل كوزبي، كيفين كوستنر، جون ترافولتا وغيرهم من نجوم هوليوود سقطوا في مواجهة هذه التهمة. بعضهم اعترف، والبعض الآخر أنكر الاتهامات، لكن النتيجة كانت في النهاية النيل من سمعتهم، وتراجع نجوميتهم أمام الجماهير. هذا التراجع يعتبر بمثابة قتل معنوي لهؤلاء الذين تعتبر شهرتهم الفنية رصيدا رمزيا يجلب لهم الكثير من الأرباح والمكاسب المادية من خلال عقود الإشهار والرعاية، وكذا عقود الأعمال الفنية التي يوقعونها.
في حالة منصف السلاوي، تبدو الخسارة كبيرة ومؤثرة جدا. لقد نسف هذا الاتهام والاعتراف مسيرة طويلة استطاع الرجل أن يحقق من خلالها ريادة عالمية في مجال إنتاج اللقاحات، مكنته من المساهمة في تأسيس مقاولة رائدة تمثلها “غلاسكو سميث”. لا يمكن بأي حال من الأحوال الدفاع عن المتحرشين أو المعتدين جنسيا، لكن المؤكد أن المجتمعات الغربية، وخصوصا المجتمع الأمريكي الطهراني، أصبح مهووسا بالتهم الجنسية، التي تتصدر اليوم قائمة النشرات الإخبارية. آخر هذه الفضائح الجنسية تلك التي طالت قبل بضعة أسابيع عمدة نيويورك أندرو كومو حيث اتهمته ثماني نساء بالتحرش الجنسي. لقد سقط الرجل من على عرش أغنى وأقوى مدينة في العالم بسبب هذه الادعاءات التي ووجه بها في سياق عرف صراعات كبيرة بين الجمهوريين والديمقراطيين على خلفية تدبير جائحة فيروس كورونا المستجد، وتميز بمواقف الرجل المعارضة لاختيارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وتأتي الاتهامات التي وجهت لمنصف السلاوي، أيضا في سياق خاص، يتميز بما يسميه البعض حرب اللقاحات، بين مختلف الشركات والمختبرات العاملة في هذا المجال. كما أن هذه الاتهامات تأتي بعد رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي سبق أن عين منصف السلاوي على رأس اللجنة الوطنية المكلفة بإنتاج اللقاح. ويقرأ العديد من المتابعين في هذا السياق ملامح تصفية البقية الباقية من تركة ترامب. ويبدو أن إقرار السلاوي بالتحرش الجنسي واعتذاره ينطوي على صفقة داخل شركة “غلاسكو سميث” لتفادي بلوغ الملف مرحلة المعالجة القضائية بين الضحية والرجل. لكنه في الوقت نفسه ينطوي على مخاطرة حقيقية باعتباره اعترافا رسميا منه يمكن أن يمثل دليلا قويا أمام المحاكم الأمريكية.
قبل سنوات واجه سعد لمجرد اتهامات خطيرة بالتحرش والاعتداء الجنسي في فرنسا. واعتقد الكثيرون حينها أن ذلك سيمثل نهاية مسيرته الفنية، وأفول نجمه، لكن الظاهر أن الرجل ورغم المتابعات القضائية التي واجهها إلا أنه استطاع أن يخرج من هذه الفضيحة بالمزيد من الشهرة والنجومية، وتمكن خلال هذه الفترة من إنتاج أعمال موسيقية جديدة حصدت مئات الملايين من المشاهدات. إن هذه التجربة التي مثلها سعد لمجرد، تختلف اختلافا كبيرا عن التجربة التي يعيشها اليوم منصف السلاوي، بالنظر إلى اختلاف كبير في النظرة إلى هذه النوعية من الاتهامات بين المجتمع الفرنسي والمجتمع الأمريكي. لقد اضطر لمجرد في 2010 عندما واجه اتهاما مشابها في الولايات المتحدة إلى عقد تسوية مالية ومغادرة الأراضي الأمريكية، بل وتعطيل كل مشاريعه الفنية، بالنظر إلى ما تمثله التهم الأخلاقية من وطأة كبيرة في المجتمع الطهراني في الولايات المتحدة، لكنه بالمقابل لم يكن مضطرا إلى كل ذلك عندما تم اعتقاله في فرنسا. فهل يضطر منصف السلاوي إلى مغادرة التراب الأمريكي للنجاة بنفسه من مصير غامض؟